ابن القطان – المشيخة (8)
هذا هو ثامن الأجزاء من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء التآليف فيه، ومن جملة أغراضي من ذلك، استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
عيسى بن عبد العزيز بن يَلْلَبَخْتْ أبو موسى الجزولي
(تـ 607هـ)
إمام النحاة في عصره، وأحد أوعية اللغة في زمانه، مع التحقق بالقراءات والمعرفة بالفقه والحديث والأصول، قرأ العربية على ابن بري الإمام المشهور، وروى عن الحافظ السلفي الذي دارت عليه الرواية في القرن السادس، وتخرج به جماعة كبيرة منهم ابن معط صاحب الألفية المتقدمة على ألفية ابن مالك، وقد نص عليها هذا الأخير في صدر ألفيته بقوله: “فائقة ألفية ابن معط”.
وقد أجمع مترجمو أبي موسى الجزولي على إمامته وسعة معرفته فقال ابن الأبار: “وكان إماما مقدما في معرفة العربية، لا يجارى مع جودة التفهيم، وحسن العبارة، وإليه انتهت الرياسة في هذا الشأن”[1].
وقال ابن عبد الملك: “وكان كبير النحاة غير مدافع جيد التلاوة حسن الإلقاء حافظا للغة ضابطا لما يقيد حسن الخط المشرقي وافر الحظ من الفقه بارعا في أصوله، متعلقا بطرف صالح من رواية الحديث مع الورع والزهد والصلاح والانقباض عن مخالطة الناس ومداخلة أبناء الدنيا…..، وعلى الجملة فإنه كان راسخ القدم في النحو، ولا سبيل إلى إنكار ذلك، ومصنفاته تشهد بذلك”[2].
وقال الذهبي: “وكان إماما لا يشق غباره في العربية ولا يجارى… وإليه انتهت الرياسة في علم النحو”[3].
وقال أيضا: “وكان إماما في القراءات أيضا”[4].
من مروياته التي وقفت عليها منصوصا على تحمله لها:
1. صحيح البخاري: سمعه من أبي محمد بن عبيد الله[5]؛
2. الأحكام الصغرى لعبد الحق الإشبيلي: قال ابن الأبار في ترجمة أبي عبد الله محمد بن عيسى الفندلاوي: روى عن… أبي موسى عيسى ابن عبد العزيز بن يللبخت الجزولي، سمع عليه بعض أحكام عبد الحق الصغرى[6]؛
3. الصحاح للجوهري قال ابن عبد الملك: “وهو أول من أدخل “صحاح الجوهري” إلى المغرب”[7]؛
4. أصول النحو لابن السراج. قال الذهبي: “وقرأت بخط محمد بن عبد الجليل الموقاني: إنه -أعني الجزولي- قرأ أصول الدين، وأنه قاسى بمدة مقامه بمصر كثيرا من الفقر ولم يدخل مدرسة، وكان يخرج إلى الضياع يؤم بقومه، فيحصل ما ينفعه على غاية الضيق. ورجع إلى المغرب فقيرا مدقعا، فلما وصل إلى المرية أو نحوها رهن كتاب ابن السراج الذي قرأه على ابن بري وعليه خطه”[8].
هذا ما وقفت عليه منصوصا، وإلا فمن لقي السلفي وأخذ عنه، وابن بري ولازمه لابد أن يكون متسعا في رواية كتب القراءات وعلوم القرآن، ومصنفات الحديث وفنونه، ومؤلفات اللغة لشتى أنواعها.
مصنفاته
مما وقفت عليه من ذلك:
1. الكراسة في النحو وتسمى أيضا: الاعتماد، والقانون، والجزولية[9].
قال ابن الأبار: “وله مجموع على الجمل كثير الفائدة متداول يسمى بالقانون”[10].
وقال ابن عبد الملك: “وله مصنفات في النحو مفيدة، أشهرها التقييد المحاذي به أبواب الجمل للزجاجي المسمى بالاعتماد، وبالقانون أيضا، الجاري عليه بين الناس اسم الكراسة القزولية، ومن الناس -وأكثرهم بعض الأندلسيين[11]– من ينسبها لشيخه أبي محمد ابن بري ويذكر عن أبي موسى أنه كان يقول إنها جمع تلامذة أبي محمد ابن بري حسبما لقنوه عنه، ومنهم من يأثر عن أبي موسى أنها من إملاءات ابن بري على أبواب الجمل وأن أبا موسى كملها، وكل ذلك مما لا ينبغي التعريج عليه، وإنما هي تقولات حسدته المنافسين عليه، وإلا فلم لم تعرف إلا من قبل أبي موسى، وقد أخذها الناس عنه ودرسهم إياها ولم تشهر إلا له، وقد وقفت على خطه في نسخ منها محملا إياها بعض آخذيها عنه، ولم يأت بها أحد زاعما أنه أخذها عن ابن بري على كثرة تلاميذه والآخذين عنه إلى عصرنا هذا، ولم يزل أبو موسى يتولى تهذيبها وتنقيحها والزيادة فيها والنقص منها وتغيير بعض عباراتها حسبما يؤديه إليه اجتهاده ويقتضيه اختياره، وشهير ورعه يزعه عن التعرض إلى مثل هذه التصرفات في غير مصنفه، اللهم إلا أن يكون ابن بري قد أذن له في ذلك، وهو بعيد إن لم يكن باطلا لما تقدم من أنه لم يأت بها أحد عنه ولا نسبها إليه منذ مئة وثلاثين سنة أو نحوها وهلم جرا”[12].
وهذه المقدمة الجزولية في غاية الشهرة، كانت تدرس بالأندلس ويحفظها الطلاب، وأدخلها أصحاب البرامج في مروياتهم فهي من مرويات الوادي آشي[13]. والمنتوري[14].
فقد قرأها من العلماء: الفقيه الورع أبو محمد صالح على أبي عبد الله محمد بن يحيى بن محمد العبدري الصدفي الفاسي[15]، وأحمد بن عبد النور المالقي بن أحمد بن راشد على ابن المفرج المالقي[16]، وأبو عبد الله محمد بن حياتي على أبي العباس بن الشماع المراكشي، قرأ عليه منها استفتاحها في الجنس والنوع[17]. وحفظها منهم: محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم أبو الفضائل ابن كاتب قطلوبك[18]، ومحمد بن علي تاج الدين البارنباري[19]. واعتنى بشرحها جماعة من العلماء، قال الذهبي: “اعتنى بها جماعة من أذكياء النحاة وشرحوها”[20]. وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون[21] جماعة من شراحها منهم: أبو العباس أحمد ابن الخباز الأربلي (تـ 637هـ) – عمر بن محمد بن عمر أبو علي الشلوبين (تـ645هـ)، له عليها شرحان: صغير وكبير – سعد بن أحمد أبو عثمان الجذامي الأندلسي البياني (تـ بعد 645هـ) – القاسم بن أحمد الأندلسي المرسي اللورقي (تـ661هـ) – علي بن مؤمن أبو الحسن ابن عصفور (تـ 663هـ)- ابن مالك النحوي المعروف – محمد بن علي ابن الفخار- أحمد بن عبد النور المالقي (تـ702هـ).
من مخطوطات الكراسة الجزولية: نسخة بخزانة القرويين برقم: 1366[22]، ونسخة أخرى مصورة عن دار الكتب المصرية بمكتبة عبد الله كنون برقم: 10629[23].
اعتنى الإمام أبو علي عمر بن محمد الشلوبين بالجزولية فوضع عليها أربعة كتب:
1- التوطئة، وهي مدخل للجزولية[24] .
2- أمثلة الجزولية[25].
3- الشرح الصغير على الجزولية[26].
4- الشرح الكبير[27]. ومن الشرح الكبير نسختان بخزانة القرويين برقم: 1202[28]، ورقم: 1367[29]. وقد اعتمد المحقق على الأولى وفاته الرجوع إلى نسخة القرويين الثانية، وهي أنفس كتبت في حياة المؤلف سنة 623هـ أي قبل وفاته بـ 22 عاما.
2. شرح الجزولية المتقدمة الذكر. ذكره ابن عبد الملك[30].
3. شرح إيضاح الفارسي. ذكره ابن عبد الملك[31].
4. شرح شواهد الإيضاح للفارسي. ذكره ابن عبد الملك[32].
5. التنبيهات والمعلقات على كتاب سيبويه. ذكره ابن عبد الملك[33].
6. التنبيهات والمعلقات على المفصل للزمخشري. ذكره ابن عبد الملك[34].
7. شرح أصول ابن السراج. الذهبي[35].
8. آمالي في النحو. ذكره الزركلي[36].
9. شرح قصيدة بانت سعاد. ذكره الزركلي[37].
10. مختصر شرح ابن جني لديوان المتنبي. ذكره الزركلي[38].
هذا ما وقفت عليه من مصنفاته منصوصا عليه، وقد قال ابن عبد الملك بعد سرده لعامة مصنفاته المذكورة أعلاه: “وغير ذلك مما يعرب عن وفور ملكته وسعة إدراكه في هذا الفن”[39].
وسأعرض في المقال المقبل -إن شاء الله تعالى- لشيخ آخر من شيوخ ابن القطان على نفس النهج الذي سرت عليه في هذه الترجمة والتي سبقتها.
يُتبع …
—————————————–
1. “التكملة” 4/17.
2. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/247- 249.
3. تاريخ الإسلام 13/170.
4. تاريخ الإسلام 13/170.
5. “التكملة” 4/17.
6. “التكملة” 2/167.
7. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/247.
8. “تاريخ الإسلام” 13/ 171.
9. ذكر تركي بن سهو بن نزال العتيبي في مقدمة تحقيقه لشرح المقدمة الجزولية الكبير لأبي علي الشلوبين جملة أخرى من أسامي هذه الكراسة. 1/51- 52.
10. “التكملة” 4/17.
11. قلت: من هؤلاء أبو علي الشلوبين فإنه قال في مقدمة شرح الجزولية الكبير: “سألني بعض من يكرم علي أن أكتب له على المقدمة المضافة إلى أبي موسى الجزولي؛ لأنه الذي أتى بها لا أنه الواضع لها على ما أخبر به رحمه الله من ذلك لكنه لم يعين لها واضعا فنسبت إليه” 1/191. ومنهم المنتوري فإنه قال في الفهرسة (ص: 186)، وقال: الكراسة المنسوبة لأبي موسى عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت الجزولي.
12. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/248.
13. “برنامج الوادي آشي” 2/167.
14. فهرسة المنتوري ص: 186.
15. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الثاني/512.
16. “الدرر الكامنة” 1/207.
17. “وفيات ابن قنفذ” ص: 375.
18. “الدرر الكامنة” 4/170.
19. “الدرر الكامنة” 4/218.
20. تاريخ الإسلام 13/170.
21. كشف الظنون 2/1800.
22. “فهرس مخطوطات خزانة القرويين” 4/66.
23. “فهرس مخطوطات مكتبة عبد الله كنون” ص: 364.
24. طبعت بتحقيق يوسف أحمد الموطع.
25. حققه تركي بن سهو العتيبي.
26. حققه ناصر بن عبد الله الطريم.
27. حققه تركي بن سهو العتيبي. مؤسسة الرسالة ط 2، 1414- 1994.
28. “فهرس مخطوطات خزانة القرويين” 3/281.
29. “فهرس مخطوطات خزانة القرويين” 4/67.
30. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/248.
31. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/248.
32. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/248.
33. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/248.
34. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/248.
35. “تاريخ الإسلام” 13/ 171.
36. الأعلام 5/104.
37. الأعلام 5/104.
38. الأعلام 5/104.
39. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/247- 249.
-
ما شاء الله!
جزاكم الله خير الجزاء يا أستاذي.
التعليقات