ابن القطان – المشيخة.. (74)
هذا هو الجزء الرابع والسبعون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
علي بن موسى بن علي السالمي، أبو الحسن ابن النقرات الجياني ثم الفاسي (كان حيا سنة 593هـ)
[القسم السادس]
ذكرت في المقال السابق بعد نقل كلامِ ابن رُشَيْد المتعلق بسند ابن النقرات، أنه عنَّتْ لي فيه وقفات ثلاث: الأولى: في بيانِ حال السقط من السند، والثانية: في الجزم بكون الوهم من ابن النقرات، والثالثة: في كون هذا الوهم مُوجِبا للحكم على ابن النقرات بأنه ليس بالضابط ولا من أهل العلم بالحديث.
وقد تَعَرَّضْتُ في المقال السابق للوقفة الأولى، وهذا أوان التعرض للوقفة الثانية: وهي كون الوهم من ابن النقرات فيما جزم به الحافظ ابن رشيد. وَبَيانُ وَجْهِه: أنه سَبَق تَقْرِيرُ الجَزْمِ بالسقط في السند بين أبي القاسم خلف بن محمد بن الإمام، وبين سعيد بن نصر، وسبق أيضا الاعتماد في تقرير ذلك على ما بين وَفَاتَيْ يوسف بن محمد بن فتوح، وسعيد بن نصر، وهو: 166 أو 167 سنة؛ وهذا لا يَحْتَمِلُ أن تكون فيه الواسطة بين الرجلين رجلا واحدا، فلابد من اثنين؛ وقد عَزَّز ابن رشيد ما ذهب إليه من الجزم بسقوط رجل بين ابن الإمام، وابن نصر بقوله: “واصلت البحث عن ذلك، فوجدتُ بخط عثمان بن محمد العَبْدَري أنه قرأ الموطأ على قاسم بن محمد القضاعي ابن الطويل، عن يوسف بن فتوح، عن خلف بن الإمام، حدثني أبو سعيد الغضائري عن سعيد بن نصر“.
ووجه هذا الكلام واضح، إذ إن ابن الطويل- وهو في طبقة ابن النقرات- جعل في هذا السند عينِه واسطةً بين ابن الإمام وابن نصر، هو: أبو سعيد الغضائري؛ ولا يَضُرُّ عَدمُ معرفة ابن رشيد بابن الطويل، مَا ذَهَبَ إليه من الجزم بالسقوط؛ ولا يُقال في هذا الموطن حَكَمَ لمن لم يُعرف، ورَجَّحه على المشهور المعروف، وكيف يُقضى للمجهول على المشهور، وتُعلَّ روايته به؟ وقد يتحامل البعض فيميل إلى تغليط ابنِ رشيد فيما ذهب إليه، لتعصيبه هذا الغلط بجبين ابن النقرات، زاعما أن من خالفه مجهول عند ابن رشيد نفسه.
وهذا التوهم مجانب للصواب لأن خطأ ابن النقرات واضح، وإيراد هذا السند الثاني الذي فيه ابن الطويل لِبَيان غلط ابن النقراتِ إنما هو من باب من باب تكثير الأدلة لمدلول ثابت؛ وذلك مستقيم في الاحتجاج حتى لو فرضنا عدم المعرفة بابن الطويل؛ فكيف وهو معروف، وهو كما سبق أبو محمد قاسم بن محمد بن عبد الله القضاعي عُرف بابن الطويل. له ترجمة مقتضبة في جذوة الاقتباس لابن القاضي، وهي منقولة عن ابن الزبير، ذكر فيها أنه كان خطيب القرويين، واقتصر من مشايخه على محمد بن أحمد الغافقي الجزيري، ثم قال: “كان شيخه الغافقي حيا بعد السبعين وخمسمائة“[1].
ويضاف إلى مادة هذه الترجمة: مَا ذكره ابن رشيد ففي ذلك: آخِذٌ عنه، وهو: العبدري؛ وأحد شيوخه، وهو: ابن فتوح، ثم روايته للموطأ، مع سنده فيه.
كما يُضاف إلى الآخذين عنه: التميميُّ الذي وصفه بـ: “صديقنا“[2]، وبـ: “الفقيه الأستاذ“[3] ثم فرق كثيرا من أخباره في كتابه المستفاد[4]، مما يدل على أنه كان من مشاهير الفاسيين في عصره، خصوصا أنه ولي خطابة القرويين، وهناك في كتاب التميمي جملةٌ أخرى من شيوخ ابن الطويل، تنظر في المواضع المذكورة في الحاشية أدناه.
ويستفاد من تاريخ وفاة التميمي صاحب المستفاد وهو سنة: 603 أو 604، مع كَوْنِ ما وَصَفَ به ابنَ الطويل من الصداقةِ مقتضيا لكونهما تِرْبَيْن؛ مضافا إلى ذلك ما ذكره ابن القاضي عن الغافقي -أحدِ مشيخةِ ابنِ الطويل- من أنه كان حيا بعد السبعين وخمسمائة؛ يُستفاد من ذلك كلِّه أن وفاة ابن الطويل كانت في آخر المائة السادسة أو صدر المائة السابعة.
هذا حاصل الكلام على الوقفة الثانية، وسَأعود في المقال المقبل إن شاء الله تعالى إلى ثَالِثَةِ الوقفاتِ، وآخِرَتِهِنَّ.
يتبع إن شاء الله
———————————————–
1. جذوة الاقتباس ص: 512.
2. المستفاد من مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد 2/61-69.
3. المستفاد من مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد 2/95-158.
4. المستفاد من مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد 2/61-69-95-158-161-178-206.
أرسل تعليق