ابن القطان – المشيخة (62)
هذا هو الجزء الثاني والستون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه، ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
إبراهيم بن محمد بن فارس أبو إسحاق الشاعر الكانمي (تـ 608 أو 609هـ)
[القسم السابع]
وعدت في آخر القسم السادس بأنني سأورد -إن شاء الله تعالى- في هذا القسم من هذا المقال ما وقفت عليه من شعر الكانمي الدال على علو كعبه في النظم. وأبادر قبل ذلك إلى القول بأن مترجميه، أو من ذَكره عَرَضا في ترجمة غيره، أولعوا بإيراد نُبَذٍ من غُرَرِ نظمه، وعيون شعره، وأكثرهم عناية بذلك: ابن الأبار في تحفة القادم، وابن الشعار في قلائد الجمان.
وقفت من القطع الشعرية للكانمي على الآتي، وسأسوقه بمناسبته، مع عزوه إلى مُورِده، فَاصِلاً بين ذلك بالأرقام ليَحْسُنَ الانتقال من القطعة إلى التي تليها:
1. دخل الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الكانمي الأسود الشاعر على الأمير يعقوب فأنشده:
أَزَالَ حِــــجَـــــــابَه عَنـــِّــــي وَعَيْنــــِي تَرَاهُ من المَهَــــابَة فـــــــــي حِــــــجَاب
وقَــــــــرَّبَنِــــي تَفَضُّـــــلُهُ ولــــــــكِــــن بَعُــــدْتُ مَهَــــــابةً عـــــند اقْــــتِرَابي”[1].
2. قال ابن الأبار: “من قوله:
كم سائلٍ لـــــم لا تهجـو فقــــلتُ له لأننــــي لا أرى مَـــــنْ خـــافَ من هاجِ
لا يكــرهُ الذمَّ إلاَّ كــــــــلُّ ذي أنَــــفٍ وليـــس لؤمُ لئــــامِ الخلقِ منهـاجـــي”[2].
3. وقال ابن الأبار أيضا: “وله يتعصَّبُ لبعض الألوان:
لا تشهـــــــدنَّ لغـــــربيبٍ ولا يَقـــــــَقٍ حتَّى تشـــــــاهدَ فضــــــلاً غــيرَ مردودِ
بكــــــلِّ لــــونٍ ينــالُ الحــــــــرُّ سُؤْدَده مهما تجرَّدَ مــــــن أخـــــلاقه الــــسود
والنَّاسُ لفظٌ كلفظِ الــــــعود مـــــشتركٌ لكن يُرجَّــــــحُ بين العـــــــود والعــــــودِ
أما ترى المسكَ حُقُّ العــــــاج يخــــبأه والجِـــصّ مُطَّـــــــــرَحٌ فــــــوق القراميد
ولم يـــــبالِ ابــــــنُ عمــــــرانٍ بأُدْمَتهِ حتَّى اصطـــــــفاه كـــليماً خيرُ معـــبود”[3].
4. وقال ابن الأبار أيضا: “وأنشدني أبو القاسم ابن عُلَيم قال: أنشدني أبو زيد الفازازي لأبي إسحاق هذا إثر خروجه من عنده وقد أتاه زائراً قال: وكان أبو زيد الفازازي يفضله على شعراء عصره بهذين البيتين:
أفي الموت شكٌّ يا أخي وهـــــو برهانُ ففيمَ هجوعُ الخــلق والمــــــوتُ يقظانُ
أتَسْلو ســـــلوَّ الطير تَلْـــــقط حَــــــبّها وفي الأرض أشـراكٌ وفي الجوّ عِقْبانُ”[4].
5. وقال ابن الأبار أيضا: “ومن شعره:
إنِّي وإن ألبَسَـــــتْني العـــــــجمُ حُلّتها فقد نَـماني إلـــــى ذكـــــوانها مُــــــضَرُ
فلا يَسُـــــؤكَ من الأغمـــــاد حالـــــكها إن كـان بـــــــاطنها الصمــصامةُ الــذَّكَرُ”[5].
6. ونقل ابن الشعار عن شيخ الشيوخ عبد الله بن عمر الجويني الدمشقي وهو ممن لقي الكانمي أنه عَلَّقَ من شعره قوله يمدح أبا إسحاق إبراهيم بن يعقوب، وقد انقطع إليه، ولازمه حتى حسده قوم من أصحابه على ذلك:
مَا بَعْـــــدَ بَاب أَبِـــــي إِسْــــحَاقَ منزلَةٌ يَسْمُو إِلَيْهَا فَتًــــى مِثْلـــــي ولاَ شَرَفُ
أبعْدَ مَا بَـــــرَكَتْ عَيْسِـــي بســـــاحَتِه وصِرْتَ مِـــــنْ بَحرِه اللُّجِّـــــيِّ أغْــــتَرِفُ
هَمُّوا بِصَــــرْفِي وقد أَصْبَــــــحتُ مَعْرِفَةً فَكَيفَ ذَلِكَ واسْــــمِي لَيــــْسَ يَنْصَـرِفُ[6].
7. ونقل ابن الشعار أيضا عن الجويني الدمشقي من شعره في أبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب:
سَمِعْتُ بأنْ تُهـــــْدَى الطَّـــرَائِفُ نَحْوَكُمْ فَسُقْتُ وَلــــيداً شَـــــــاعراً وَهـو أَعْجَمُ
وإِّنَّ الجِيَادَ الشُّــــقْرَ أَسْبَـــــــقُ خَيْلِكُمْ فَهَاكَ طِمـــــِّراَ سَـــــابِقاً وَهـــــو أَدْهَمُ[7].
8. ومن شعره:
وَقَــــــائِل لِـــــمَ لا تَهْـــــجُو فَقــــُلتُ لَهُ لأَنَّنِـــــي لا أَرَى مَــــنْ خَافَ مِنْ هَاجِي
فَلَيْسَ ذَمُّ كـــــرَامِ النَّـــاسِ مِنْ شِيَمِي وَلَيْــــــــسَ ذَمُّ لِئَــــامِ النَّاسِ مِنْهَاجِـي[8].
9. وقال ابن الشعار: وله يتغزل:
غَيرِي عَلَيــــْكُنَّ يَــــــا زَهْرَاءُ يَـــــصْطَبرُ لأنَّ صَــــبْرِي عَلَـــــــى ذَاكَ الهَوَى صَبِرُ
لَــونِي بِلَونِكِ مِـــــنْ دَانٍ إِذا اجْــــــتَمَعَا كَمَــــــا يَـــــزِينُ سَوَادَ المُقـــــْلَةِ الحَوَرُ
وَإِنْ شَـــــكَكْتِ فَقِيسِـــي قَيْسَ تَجْرِبَةٍ فَفِي اخْتِـــــــــبَارِكِ مَا يُنْسَى بِهِ الخَبَرُ
فلا يَسُؤكَ مـــــن الأغـــــــــماد حالكها إن كان باطنها الصــــمصامةُ الــــذَّكَرُ”[9].
هذا ما وقفت عليه من شعر الكانمي، وبه يتم الكلام على ترجمته.
————————————————-
1. وفيات الأعيان 7/14-15، قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان 1/86، نفح الطيب 4/380، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 5/103، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للمراكشي 1/168-169.
2. تحفة القادم ص: 157.
3. تحفة القادم ص: 157، واقتصر من هذه القطعة ابن الشعار في قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان 1/86 على قوله: بكلِّ لــــــــونٍ ينــــالُ الحــــــرُّ سُــؤْدَده مهــــما تجرَّدَ من أخــــــلاقه السُّـــــودُ
4. تحفة القادم ص: 158.
5. تحفة القادم ص: 158.
6. قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان 1/85، تاريخ الإسلام 13/258.
7. قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان 1/86.
8. قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان 1/86، تاريخ الإسلام 13/258.
9. قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان 1/86، البيت الأخير أورده ابن الأبار في تحفة القادم ص: 158، وللشاعر ضمن قطعة من بيتين أولهما:
إنِّـــــــــــــــي وإن ألبَسَــــتْني العجمُ حُلّتها فقد نَماني إلـــــــــــى ذكوانهـــــا مُضَرُ
أرسل تعليق