ابن القطان – المشيخة (4)
هذا هو الجزء الرابع من هذه السلسلة من المقالات التي أكتبها في هذا العمود عن الإمام الحافظ الناقد أبي الحسن ابن القطان رحمه الله تعالى؛ وهو صلة للجزء الثالث الذي تناولت فيه “مشيخة ابن القطان” وذكرت ثَمَّ أهمية التعرض في التعريف بالأعلام لمشايخهم. وقد أردت في هذا القسم أن أذكر هؤلاء المشايخ، مرتبا إياهم على حسب الفنون التي بها عرفوا، وليس في نسبتهم إلى فن ما يشير إلى تجردهم عن غيره، لمكان المشاركة التامة التي اتصف بها الأئمة المتقدمون رحمهم الله، وقد رتبتهم هذا الترتيب لتسليط الضوء على الفنون التي درسها ابن القطان، والمعارف التي تلقاها. وقد قصدت في ترجمة كل شيخ من مشايخه جلب نصوصٍ متعلقة بشيوخه والفن الذي برز فيه، وما صنف فيه المؤلفات، ما روى من كتب الحديث، وتحمل من دواوين العلم؛ مع النص على مبلغ ملازمة ابن القطان لهم؛ لأجعل ذلك سلما أرتقي فيه لمناقشة كلام الإمام الذهبي فيه: “إنه أخذ الفن مطالعة”. جُعل الرجلُ “صحفيا ما جالس أصحاب الحديث” وهذا كلام لست أدري ما وجهه، وتشوش عليه غاية التشويش مشيخة ابن القطان ومروياتهم، والفنون التي به عرفوا، وما تلقاه عنهم من المعارف. وأَبْعِدْ بشخص أفنى عمره في أخذ العلم من أفواه الرجال، فلقي منهم أئمة، فحولا، لازمهم عُمُرا أن ينسب إلى أخذ العلم من الصحف، فالقول بأنه “صحفي” كلام لا ينطبق معناه على الإمام ابن القطان البتة، بل هذه الحال ناطقة بخلاف ذلك، منادية بضده؛ وأَبْعَدُ من ذلك القَولُ بأنه ما جالس أصحاب الحديث.
ومشيخة ابن القطان في غاية التميز، فمنهم: القراء الكبار، والحفاظ النقاد، والفقهاء النظار، والنحاة، واللغويون والشعراء. وأولاهم بالتقديم رجلان:
أولهما: محمد بن إبراهيم بن حزب الله ابن البقار أبو عبد الله الفاسي (كان حيا سنة 582هـ) قال ابن الأبار: “وكان من أهل الفقه والحديث متحققا بالرواية والحديث عن رجالها عاكفا على التدريس حافظا متفننا زاهدا فاضلا روى عنه أبو الحسن بن القطان وتفقه به”[1].
وثانيهما: محمد بن إبراهيم بن خلف ابن الفخار أبو عبد الله الأنصاري المالقي (تـ 590هـ)، قال ابن الأبار: “وكان صدرا في حفاظ الحديث مقدما في ذلك معروفا به يسرد المتون والأسانيد مع معرفته بالرجال وذكر الغريب ومشاركة في اللغة ومعرفة بالشروط وكان يتولى عقدها بباب فشتالة وربما أقرأ بالعربية والآداب”[2]. وأما غيرهما:
فمن القراء: علي بن أحمد بن علي أبو الحسن الأنصاري الطليطلي (كان حيا سنة 582هـ)، قال ابن الأبار: “وأخذ القراءات عن شريح تصدر للإقراء وحدث روى عنه يعيش بن القديم وأبو الحسن بن القطان وأجاز في سنة 582هـ”[3].
ومنهم: علي بن أحمد بن محمد بن كوثر أبو الحسن المحاربي (تـ589)، قال ابن الأبار: “وتصدر بغرناطة للإقراء وللإسماع وله كتاب العروس في القراءات”[4].
ومنهم: علي بن عتيق بن عيسى أبو الحسن الأنصاري الخزرجي (تـ 598هـ)، قال ابن الأبار: “وشيوخه ينيفون على مائة وخمسين شيخا وكان بصيرا بالقراءات والحديث… وروى عنه أبو الحسن ابن القطان”[5].
ومن المحدثين: أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن بقي بن مخلد أبو القاسم الأموي (تـ625هـ)، قال ابن الأبار: “وانفرد برواية الموطأ عن ابن عبد الحق قراءة عن ابن الطلاع سماعا”[6].
ومنهم: أيوب بن عبد الله بن أحمد السبتي أبو الصبر الفهري (تـ 609هـ)، قال ابن الأبار: “واستوسع في الرواية وكان معروفا بالزهد سالكا طريق التصوف حدث وأخذ عنه جلة منهم ابن حوط الله وأخوه أبو سليمان وأبو الحسن بن القطان وأبو عبد الله بن هشام وغيرهم”[7].
ومنهم: عبد الرحيم بن عيسى بن يوسف ابن الملجوم أبو القاسم الفاسي(تـ 604هـ)، قال ابن الأبار: “بصيرا بالحديث حافظا “[8].
ومنهم: علي بن موسى بن علي بن النقرات أبو الحسن الأنصاري السالمي (كان حيا سنة 593هـ) قال ابن الأبار: “وولي الخطابة وأكثر عنه أبو الحسن بن القطان”[9].
ومنهم: يزيد بن محمد بن يزيد بن رفاعة أبو خالد اللخمي (تـ 588هـ).
ومن الفقهاء: أبو بكر بن خلف أبو يحيى المواق الأنصاري (تـ 599هـ).
عيسى بن محمد بن شعيب أبو موسى الوراق الغافقي (تـ 587هـ).
ومن النحاة: عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت أبو موسى الجزولي (تـ607هـ)، قال ابن الأبار: “ولازم عبد الله بن بري بمصر فأخذ عنه العربية واللغات وسمع من أبي محمد بن عبيد الله صحيح البخاري وصدر من رحلته فتصدر بالمرية وبالجزائر عمل بجاية دهرا لإقراء العربية وكان إماما في مقدما في معرفة العربية لا يجاريه مع جودة التفهيم وحسن العبارة وإليه انتهت الرياسة في هذا الشأن وله مجموع على الجمل كثير الفائدة متداول يسمى بالقانون”[10].
ومنهم: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مضاء أبو جعفر اللخمي (تـ 592هـ)، وهو إمام كبير له توسع في فنون عدة، ولي القضاء بمراكش وترجمه ابن الأبار ترجمة حافلة[11].
ومن الأدباء الشعراء: أحمد بن عبد السلام أبو العباس الجراوي (تـ 690هـ)، قال ابن الأبار: “وكان عالما بالآداب حافظا بليغ اللسان شاعرا مفلقا وقد وقفت على ديوان شعره وألف للسلطان كتابا في معنى الحماسة لحبيب سماه: “صفوة الأدب ونخبة كلام العرب” أخذه الناس عنه”[12].
ونظرا لضيق الحيز الذي يشغله هذا المقال من جريدة الميثاق؛ فإنه لم يتيسر لي هنا التعرض لحال هؤلاء الشيوخ من حيث ما تلقوه من مرويات، وما خرج عنهم من مصنفات؛ ومن حيث ما حمله عنهم من ذلك ابن القطان رحمهم الله تعالى جميعا؛ وسأرجئ ذلك إلى مقال لاحق إن شاء الله تعالى.
يتبع
———————————————
1. التكملة (س1/372).
2. التكملة (س1/263).
3. التكملة (2/673).
4. التكملة (2/673).
5. التكملة (2/675).
6. التكملة (ق1/142).
7. التكملة (ق1/242).
8. التكملة (2/602).
9. التكملة (2/674).
10. التكملة (2/690).
11. التكملة (ق1/109).
12. التكملة (ق1/157).
أرسل تعليق