ابن القطان – المشيخة.. (38)
هذا هو الجزء الثامن والثلاثون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه، ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
ابن فُلَيْح: أبو محمد عبد الله بن محمد الحضرمي القصري كان حيا سنة (591)
[القسم الرابع]
مرويات ابن فليح: الجزء الأول
ذكرت في القسم الثالث نتيجةَ ما انتهيتُ إليه من البحث عن مصنفات ابن فُليح، وهذا القسم مخصص للكلام على نتيجة ما انتهيت إليه من البحث عن مروياته، وقد قسمت الكلام عن ذلك إلى قسمين نظرا لكثرة المادة، وثبات الحيز المخصص لكل مقال من هذه المقالات في جريدة ميثاق الرابطة.
وأُبادر إلى القول بأنني بعد البحث في المظان، لم أَعْثُر على شيء مَنْصوص عليه من مرويات ابن فليح، والقرائن تدل على أن الرجل كانت له مرويات جليلة، وفي بعض ما تلقاه منها علو، ويستشف ذلك من طبقة شيوخه، ثم من كونه كان مقصوداً بالرحلة من أمصار المغرب والأندلس إلى حيث منزله: مدينة القصر الكبير، ولولا ما كان للرجل من رواية نبيلة، لما كاتبه ابن القطان مستجيزاً، وهو إمام ناقد بصير بأحوال المشايخ، عارف بمن يُقصد للأخذ عنه، ومن يترك؛ كما أن القرن السادس الذي عاش فيه ابن فليح كان أزهى القرون بالمغرب والأندلس من حيث العناية بفنون الأثر، وكثرة مَن نبغ فيه مِن أهل هذا الشأن، ولو لم يكن لابن فُليح ما يحمل الناسَ على الرحلة إليه: من كثرة مسموع، أو ضبط مروي، أو علو أَخْذٍ، أو اختصاص بكبار، لما عرج عليه أحد.
وإِذْ قَصُر مني الباع، وَضَعُف الاطلاع فلم يتيسر لي الوقوف على شيء من مرويات ابن فُليح تعيينا؛ فإنني أذكر هنا بعض ما يدل على توسعه في الرواية، نُبَذاً من مرويات كبار شيوخه، ليشير الشاهد إلى الغائب، ويدل المعلوم على المجهول.
فأول ذلك ما ذَكَره ابن الأبار من اعتماد ابن فليح في الرواية على القاضيين: عياض وابن العربي، كما نسب ابنُ الزبير ابنَ فليح إلى صحابة هذين الإمامين، مع ما في إطلاق الصحبة من طول الملازمة، ومزيد الاختصاص، المستلزمين لكثرة الأخذ، ومِثْلُ هذا الإطلاق لصحبة ابن فُليح لهما، نقله السيوطي عن ابن الزبير في ترجمة يونس بن يوسف بن سليمان الجذامي القصري وذلك قوله: “كان بغَرْناطة، وأراه أقرأ بها العربية والأدب. روى عن عبد الله بن فليح الحضرمي أحد أصحاب ابن العربي والقاضي عياض“[1]، ونظير هذا النص أيضا قول ابن عبد الملك في ترجمة يونس المذكور “وابن فليح هذا من جلة حملة العلم الرواة المعتنين، وممن صحب الإمام أبا الفضل عياض بن موسى وأبا بكر بن العربي ونظائرهما”[2].
وإذا كان ابن فليح قد صحب القاضي عياض حتى عرف بذلك، وأخذ عنه حتى صار معتمده؛ فإن القاضي عياض كما هو معلوم من جملة الثقات المكثرين، قد سمع من الكتب الكبار، والأجزاء الصغار شيئا كثيرا، والموجود منصوصا عليه من مروياته في الغنية وهي فهرسة شيوخه، وصل إلى نحو (221) واحد وعشرين ومائتي كتاب ورسالة، غالبه سمعه، وباقيه أجيز به، وهي أمهات التصانيف في فنون العلوم الشرعية، والعربية: من التفسير، والقراءات، والحديث وعلومه، والأصلين، والفقه، وتاريخ الرجال وطبقاتهم، والجرح والتعديل، والنحو، واللغة، والأدب، وقد انتقيت من الغنية عيون هذه المصنفات، مرتبا لها على الفنون، ومرتبا مؤلفيها على سني الوفيات، وتركت العزو إلى مواضع ذكرها اختصارا، واكتفاء من ذلك بفهرس الكتب والرسائل الذي صنعه المحقق[3]، وهو رتب على الحروف، فمن أراد الكشف على ما ذكرته هنا مرتبا على الفنون رجع إلى حرفه في الفهرس المذكور.
فمن جملة ما يروي القاضي عياض من كتب التفسير والقراءات، والعد، وناسخ القرآن ومنسوخه: تفسير عبد الرزاق (211)، والوقف والابتداء لابن النحاس (338)، ومعاني القرآن لابن النحاس (338)، وشفاء الصدور للنقاش (351)، والناسخ والمنسوخ لهبة الله (410)، وتفسير أبي إسحاق الثعلبي “الكشف والبيان في تفسير القرآن” (427)، الناسخ والمنسوخ لأبي محمد مكي المقرئ (437)، والتحصيل، والتفصيل، والهداية في القراءات السبع، وكلها للمهدوي (440)، والمفتاح في القراءات لابن عبد الوهاب (461)، والتلخيص في القراءات لأبي معشر الطبري (478)، والجامع الكبير في القراءات لأبي معشر الطبري (478)، واختصار تفسير الثعالبي للطرطوشي (520)، ومخارج الحروف لابن دري الأنصاري 520.
ومن جملة من يروي من كتب الحديث وعلومه والسيرة، والأغربة، والأطراف، وشروح الحديث: الموطأ لمالك بن أنس (179)، وجامع عبد الله بن وهب (197)، والأربعون حديثا لأبي صالح (210)، والمشاهد وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي محمد ابن هشام (213)، والمصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام (224)، الصحيح للبخاري (256)، والصحيح أيضا لمسلم (261)، السنن، والتفرد كلاهما لأبي داود السجستاني (275)، وغريب الحديث لابن قتيبة (276)، والمسند، والمصنف كلاهما بقي بن مخلد (276)، والجامع ، وشمائل النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما للترمذي (279)، والدلائل لقاسم السرقسطي (302)، وسنن النسائي (302)، والأربعون حديثا للحسن بن سفيان (303، وكتاب الطحاوي (321)، والأربعون حديثا للآجري (360)، ومسند الموطأ للجوهري (381)، والإلزامات، واختلاف الموطآت، والاستدراكات على البخاري ومسلم، والسنن وكلها للدارقطني (385)، وغريب الحديث لأبي سليمان الخطابي (388)، والانتصار لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، للأصيلي (390)، والملخص للقابسي (403)، والأربعون حديثا، وعلوم الحديث كلاهما للحاكم النيسابوري (405)، ومشكل الحديث لابن فورك (406)، وأمالي أبي بكر أحمد بن محمد الشيرازي (407)، والأربعون حديثا، ورياضة المتعلمين كلاهما لأبي نعيم الأصبهاني (430)، والشهاب للقضاعي (454)، والاستذكار، والتقصي لمسند الموطأ، والتمهيد وكلها لابن عبد البر (463)، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (463)، والجمع بين الصحيحين للحميدي (488)، وعوالي الزينبي (491)، والمعلم في شرح مسلم للمازري (536)، وتهذيب كتاب الطحاوي لابن رشد (520)، والمقتبس في شرح الموطأ للبطليوسي (521)، وشرح الشهاب للوراق الدربندي، وأطراف الموطأ لابن شبرين (532).
ومن جملة من يروي من كتب الرجال والطبقات: التاريخ لمحمد وأحمد ابني عبد الرحيم البرقي (249)، والتاريخ الكبير للبخاري (256)، وطبقات مسلم بن الحجاج (261)، والضعفاء والمتروكين للنسائي (302)، والطبقات للنسائي (302)، وأسامي شيوخ البخاري لابن عدي (365)، العلل الكبير، المؤتلف والمختلف كلاهما للدارقطني (385)، والهداية والإرشاد لأبي نصر الكلاباذي (398)، وطبقات علماء الأندلس لابن الفرضي (403)، وأوهام الحاكم في المدخل، والمؤتلف والمختلف كلاهما لعبد الغني بن سعيد (409)، وطبقات القراء لأبي عمرو المقرئ (444)، والاستعاب لابن عبد البر (463)، والمؤتنف في تكملة المؤتلف والمختلف للخطيب البغدادي (463)، والتعديل والتجريح للباجي (474)، والإكمال في المؤتلف والمختلف للأمير أبي نصر ابن ماكولا (487)، وتقييد المهمل وتمييز المشكل لأبي علي الغساني (498)، ورجال مسلم لابن شبرين (532).
وسيأتي في المقال المقبل إن شاء الله، بقية مرويات القاضي عياض التي انتقيتها من الغنية، والتي تنتمي إلى هذه الفروع المعرفية: معاجم الشيوخ، والفقه والخلافيات، والأصول، والعقائد والنهي عن الحوادت، والنحو، اللغة والآداب، والمجاميع الشعرية وشروحها، وكتب الوعظ والرقاق.
يتبع في العدد المقبل..
————————————————-
1. بغية الوعاة، 2/366.
2. الذيل والتكملة، س:8، ق:2، ص: 565.
3. الغنية، ص: 295 فما بعدها. تحقيق: الأستاذ ماهر زهير جرار.
أرسل تعليق