ابن القطان – المشيخة (35)
هذا هو الجزء الخامس والثلاثون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
أبو بكر الفصيح عتيق بن علي بن حسن الصنهاجي عُرف بالحَمِيدي (تـ 595هـ)
(القسم الثاني)
كنت قد عرَّفت في المقال السابق من هذه الترجمة، بأبي بكر الفصيح شيخ ابن القطان هذا، موردا نتفا متعلقة بنسبته، ناقلا ما قيل في مشيخته، ورحلته، مرجّحاً فيما اخْتُلِف فيه من تاريخ ومحل وفاته. وقد خصصت هذا القسم الثاني لمروياته، ومصنفاته.
مروياته
فأما مرويات أبي بكر الفصيح الصنهاجي، فلم أقف منها على شيء، لكن اتساع رحلته مع سماعه من كبار البغاددة كالقزاز، والمصريين كالسلفي، وهما من ذوي التوسع في الرواية، مشعر بأنه روى جملة وافرة من دواوين السنة الصغيرة والكبيرة، لكن لم يتيسر لي الآن الوقوف على شيء من ذلك منصوصا عليه.
مصنفاته
وأما مصنفاته فأُقَدِّمُ بين يدي إيراد ما وقفتُ عليه منها تَقْدِمَةً، وهي: أن أبا بكر الفصيح كان إماما كبيرا، مشاركا في فنون عدة من فقه، وحديث، وأدب.
فأما الفقه: فقد تحقق بمذهب مالك على عادة أهل المغرب في التفقه بهذا المذهب، والبداءة بإتقانه، ويستشف ذلك من قول ابن الأبار: “نشأ هو بمدينة فاس، وأخذ عن مشيختها“[1].
ثم زاد على ذلك فتفقه بالعراق بالمذهب الشافعي قال ابن الدبيثي: “أقام بها -يعني بغدادا- متفقها على مذهب الشافعي رضي الله عنه“[2]، وقال ابن أيبك الصفدي: “أقام بها مدة يتفقه على أبي القاسم بن فضلان“[3]، ثم زاد فَعُني بالخِلاف العالي، قال ابن الأبار: “وتفقه بالخلافيات بالعراق وغيرها“[4]. وقد نُقِل في كتب التراجم أنه ولي القضاء بالجزيرة الخضراء[5]، وبغيرها -وهو يَحْتَاج إلى نظر-[6]، ومعلوم أن القضاء كان لا يليه في ذلك الزمان إلا الفقهاء؛ فعلمنا بما في هذه الولاية من دلالة اقتضاء ما كان عليه من التحقق بالفقه.
وأما الحديث: فسمعه من جماعة، وقد نصَّ على هذا السماع مَعَ تعيين بعض شيوخه المسموعِ منهم جماعةٌ ممن ترجموه، منهم: ابن الأبار[7]، وابن الدبيثي[8]، والصفدي[9].
وأما الأدب: فالظاهر أنه كان الغالبَ على المترجم، ولأجل ذلك اتفقت كلمة مترجميه على تحليته بالأدب. فقال الصفدي: “كان أديبا فاضلا“[10]، وقال ابن الدبيثي: “كان فيه فضل وتميز“. وقال أيضا: “أقام بها –يعني بغدادا- متفقها على مذهب الشافعي رضي الله عنه مُشتغلا بالأدب“. وذكر أنه “تأدب ببغداد على أبي العباس ابن المأمون وغيره“[11].
وقد لخص الذهبي -وهو من أهل الحذق التام في صنع التراجم- هذه الفنون التي اختص بها أبو بكر الفصيح، فقال: “ارتحل وسمع من نَصْرِ الله القَزاز وطَبَقته وتفقه، وله ديوان شعر“[12].
فأشار إلى عنايته بطلب العلم، ورحلته لأجله بقوله: “ارتحل”.
وأشار إلى مشاركته في الحديث بقوله: “سمع من نَصْرِ الله القَزاز وطَبَقته“، وقولهم في التراجم: “سمع” مصروف إلى أخذ الحديث وتحمله.
وأشار إلى علو سنده وإكثاره بالنص على أحد أعيان الرواة الذين أخذ المترجمَ عنهم وهو نَصْرُ الله بن عبد الرحمن القَزاز أبو السعادات بن أبي منصور يُعرف بابن زُرَيق، الذي انتهى إليه علو الإسناد فيما ذكره الذهبي أيضا[13].
وأشار إلى مشاركته في الفقه بقوله: “وتفقه“.
وأشار إلى أدبه بقوله: “وله ديوان شعر“، والاقتدار على النظم، مع التوسع في ذلك حتى يجمع المنظوم في ديوان آية على الارتواء من الأدب والتحقق به.
وقد ظهر أثر غلبة الأدب عليه، في المذكور له من تواليف في كتب التراجم، فلم يخرج عن هذا الفن؛ ومما ذكر له:
1. ديوان شعره. وقد ذكر ابن القطان في معجمه أن المترجم أراهم إياه[14]. ثم جاء كثير ممن ترجمه فذكره[15].
2. الحلي والشيات وما يليق بالملوك من الآلات[16].
3. مقامة في وصف بغداد. ذكرها أكثر من ترجمه[17].
—————————————-
1. التكملة (4/26).
2. ذيل تاريخ بغداد (4/591).
3. الوافي بالوفيات (20/14).
4. التكملة (4/26).
5. التكملة (4/26) وعنه: -جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس (2/455) والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (9/5).
6. المشتبه (1/250)- توضيح المشتبه (3/328-329) – تبصير المنتبه بتحرير المشتبه (2/516)- الوافي بالوفيات (20/14) ذكر في هذه الكتب المحال عليها في هذا الهامش ولايته للقضاء بعدن أو المعدن وهو كله محتاج إلى تحرير.
7. التكملة (4/26).
8. ذيل تاريخ بغداد (4/591).
9. الوافي بالوفيات (20/14).
10. الوافي بالوفيات (20/14).
11. ذيل تاريخ بغداد (4/591).
12. المشتبه (1/250).
13. سير أعلام النبلاء (21/132)، وله فيه ترجمة حسنة، تنظر في الهامش بقية مصادره.
14. وذلك فيما نقله ابن الأبار في التكملة (4/27).
15. ينظر المستفاد (1/132) والوافي بالوفيات (20/14).
16. ينظر المستفاد (1/132) والوافي بالوفيات (20/14).
17. ينظر المستفاد (1/132) والوافي بالوفيات (6/320).
أرسل تعليق