ابن القطان – المشيخة (33)
هذا هو الجزء الثالث والثلاثون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
أبو موسى الغافقي الوراق: عيسى بن محمد بن شعيب (587هـ)
أحد شيوخ ابن القطان الفاسيين، أصله من الأندلس، ونزل إلى العدوة المغربية فاستوطن فاس، وبها توفي سنة (587هـ).
وهو من شيوخ ابن القطان الذين سماهم في معجمه فيما نقله ابن عبد الملك[1].
أخذ المترجم عن جِلَّةِ أهل الأندلس كابن العربي، وابن عتاب، وقد أَعْظَمَ مترجموه الثَّناء عليه، وتواردوا فيه على كلام واحد، أصله لابن القطان.
قال ابن عبد الملك: “وكان فقيهاً حافظاً عارفاً ماهراً في عقد الشروط بصيراً بعللها، نحوياً بارعاً أديباً كاتباً شاعراً محسناً، جميل العشرة طريف الدعابة، حسن الخط وراقاً؛ توفي بفاس بعد صلاة المغرب من ليلة الجمعة، وقيل يوم الخميس، لتسع بقين من جمادى الآخرة سنة ست، وقيل سنة سبع، وثمانين وخمسمائة، ودفن إثر صلاة الجمعة، قاله أبو الحسن بن القطان”[2]. وقد اختصر هذا الكلامَ ابن الأبار في التكملة[3]، وعنه الذهبي في تاريخ الإسلام[4].
وما ذُكر به المترجم مِنَ المعرفة بالفقه، والمهارة في عقد الشروط والبصر بعللها وإتقانِ النحو والبراعةِ في الأدب، وإجَادَة النثر وإحسان النظم يَقْتَضِي كَثْرة المقروء، خصوصا وقد ذُكِرَ في مشايخه جُمْلَةٌ من الأعلام الذين أقرأوا مُصنفاتِهم، ومسموعاتِهم من كتبِ غيرهم، ومِنْ هؤلاء: أبو بكر بن العربي: الإمام الحافظ العلامة ذو الفنون، وهو مكثر جدا رواية وتصنيفا، وهو أشهر من نار على علم؛ ومنهم: أبو محمد بن عتاب الإمام ابن الإمام، صنع له الذهبي في السير ترجمة لطيفة لخص مقاصدها من عند ابن بشكوال وصدرها بقوله: “الشيخ العلامة، المحدث الصدوق، مسند الأندلس، أبو محمد عبد الرحمن ابن المحدث محمد بن عتاب بن محسن القرطبي”[5]. ومنهم: أبو بكر الأبيض:أحمد بن محمد الإشبيلي، فخم ابن دحية أمره فقال بعد أن حلاه بالأديب:” كان من فحول شعراء المغرب المذكورين بالسبق في الشعر والأدب، ومات بعد خمس وعشرين وخمسمائة”[6]؛ ومنهم: أبو العباس بن سيد اللص:وهو نحوي حلاه بذلك ابن الأبار[7]، وابن سعيد[8]، أما الأول فترجمه ترجمة فائقة، وذكره بالتحقق بالعربية والآداب واللغات والقيام عليها، وأما الثاني فساق نتفا من أشعاره.
وبالجملة فالأخذ عن هؤلاء يقتضي سعة روايةٍ لكتب علوم القرآن، والحديث، والفقه، والعربية؛ لكنني الآن لم أعثر على شيء من مرويات أبي موسى الوراق منصوصا عليه، كما لم أعثر أيضا على شيء من التصانيف منسوبا إليه.
والله أعلم
—————————–
1. تنظر ترجمة ابن القطان من الذيل والتكملة (س5/ ق2/166).
2. الذيل والتكملة (س5، ق2/506).
3. التكملة طبعة الهراس (4/13).
4. تاريخ الإسلام (12/820).
5. سير أعلام النبلاء19/514.
6. المطرب من أشعار أهل المغرب 76.
7. التكملة لكتاب الصلة1/72.
8. المغرب في حلى المغرب2/257.
أرسل تعليق