ابن القطان – المشيخة (20)
هذا هو الجزء العشرون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
عبد الله بن محمد بن عبد الملك الفاسي، أبو محمد ابن السكاك الفاسي المالكي (تـ 596هـ) [القسم الأول]
شيخ ابن القطان هذا قليلة مادة ترجمته، انبثقت من مصدر واحد، ثم توارد على تلك المادة من جاء بعدُ ممن ترجم أبا محمد ابن السكاك. وأصل هذه الترجمة منقول عن أبي الحسن بن القطان، وأبي البقاء يعيش بن القديم، وهما ممن أخذ عنه، فأما ابن القطان فذكره في معجم شيوخه كما نص عليه ابن عبد الملك في ترجمة ابن القطان، وذكر أنه من شيوخه بالسماع، ومن جملة من لقيهم وأكثر عنهم[1]، وأما يعيش بن القديم، فذكره في كتاب مماثل لكتاب ابن القطان. وقد رأيت ابن الأبار وابن عبد الملك ممن أكثر من النقل عنه فيما يخص تراجم شيوخ أبي البقاء[2]. وكل من الكتابين ليس له وجود معلوم. ومن هذين المصدرين لخص ابن الابار ترجمته في التكملة، فصاغ له تعريفا قصيرا، ذكر فيه اسمه رافعا نسبه إلى سليمان جَدِّ جَدِّه، ومذهبَه المالكي، وكنيتَه، وهي: أبو محمد، وبلده وهو: فاس ورحلته إلى المرية، ولُقِيهُ بها أبا القاسم بن ورد، وأخذه عنه، ورحلته حاجا، وسماعَه من السلفي بالاسكندرية، وختم الترجمة بكونه لم يكن من أهل العلم، وإنما كان شيخا معمرا ومعدلا، حدث عنه أبو البقاء ابن القديم، وأبو الحسن ابن القطان. ونص على أنهما اللذان وصفاه بما سبق، وأن وفاته كانت بفاس: “في جمادى الآخرة سنة 596 وهو ابن ست وتسعين سنة أو نحوها”[3].
ثم جاء بعده ابن القاضي فنسخ هذه الترجمة في جذوة الاقتباس لم يخرم منها حرفا[4].
وأما الذهبي فعمد إليها في تاريخ الإسلام[5]، فلخص أهم أغراضها من التكملة لابن الأبار، غير مشير إليها، لكنها معروفة من مصادره في مثل هذه التراجم الأندلسية، ولم يزد على ما فيها شيئا، وعادته الإطراف بزيادة ما يلتقطه من فوائد، من مصادر في غاية الندرة كانت في متناوله، مما يدل على شح مادة هذه الترجمة، وقلة مصادرها.
ثم جاء الكتاني فذكره في سلوة الأنفاس[6] لكونه من أهل فاس الذين أقبروا بها، وذكره في آخر الكتاب فيمن توفي بفاس من الصلحاء والعلماء والفقهاء، ولم يقف على تقييد محل دفنهم منها، ومنهجه في الكتاب ذكره للأعلام مرتبين على حسب مواضع دفنهم من الحضرة الفاسية. واعتمد في ترجمته نص الموجود في جذوة الاقتباس، وهو منقول من التكملة لابن الابار، ولم يزد شيئا اللهم إلا أمرا غريبا أظنه من تصرفه رحمه الله، وذلك أنه قال فيه: “سيدي عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن سليمان الفقيه الفاسي المالكي” ووصفُه بالفقيه غريب، وهو معارض لقول من أخذ عنه: إنه لم يكن من أهل العلم؛ وَذكر مَنْ ترجمه بكونه مالكيا مذهبا، لا يلزم منه كونه فقيها من فقهاء المذهب، ولأجل ذلك خلت من ذِكْرِه كُتُب طبقات الفقهاء المالكية.
وقد رأيت الحافظ مرتضى الزبيدي ذكر ابن السكاك في تاج العروس بما يدل على أن المذكور هو عين مترجمنا، لكنه زاد أمرا آخر غريبا أيضا وهو نسبته إلى الشهرة فقال: “السَّكاك: من يضرِب السِّكةَ . وأبو عبد الله محمد بن السكاك: مغربي مشْهُور”. ولم أقف في المنسوب إلى بُنُوَّة السكاك، وهو مغربي، ويسمى عبد الله، ويكنى أبا محمد، من الأعلام على أحد غير مترجمنا الفاسي، والتعريف المذكور في تاج العروس ينطبق عليه، لكن وصفه بالشهرة غريب جداً، إذ الشهرة تدل على استفاضة العلم به، والمعرفة بحاله، بسبب علم، أو إمارة، أو نحوهما، مع كثرة ذكر المترجمين له، وتعرضهم لأخباره، ووفرة وجود ذلك في كتب التراجم ، فمثل هذا هو الذي يصح وصفه بالاشتهار، وليس حال ابن السكاك بالحال الذي يصح وصفه بالشهرة أصلا.
وسأعود إلى تتمة هذا المقال في الحلقة المقبلة إن شاء الله
—————————————————-
1. “الذيل والتكملة” السفر الثامن/القسم الأول/166.
2. تنظر أمثلة لذلك في: التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار1/136، 2/29-39-46-141، والذيل والتكملة لابن عبد الملك السفر الخامس/25.
3. التكملة لكتاب الصلة 2/306.
4. جذوة الاقتباس 2/421.
5. تاريخ الإسلام 12/1072.
6. سلوة الأنفاس 3/300.
أرسل تعليق