ابن القطان – المشيخة (14)
هذا هو الجزء الرابع عشر من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن أبي الحسن بن مؤمن أحد مشيخة ابن القطان. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
أبو الحسن بن مؤمن
علي بن عتيق بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن مؤمن الأنصاري الخزرجي القرطبي ثم الفاسي [القسم الثالث]
مروياته:
تقدم أن هذا الإمام كان واسع الرحلة، وافر المشيخة، كثير المروي، ولما كانت الفنون في زمن المؤلف قد دخلت إلى المصنفات، ومضى عليها كذلك قرونا ذوات عدد، وصار الاعتماد في الرواية على الكتب المصنفة، والدواوين المؤلفة، كان جميع ذلك مقتضيا أن ابن مومن مكثر جدا، كما يدل عليه ما سبق تقريره كثرة الشيوخ، وطول الطلب، وذلك كله مستلزم بلا ريب لكثرة المروي.
وقد تتبعت كثيرا من مظان النقل عنه فلم أعثر إلا على حكايات مستعذبة، وأخبار بعض الشيوخ، ويظهر أنها من جملة فهرسته العجيبة التي خرجت لما جمعته من مستغرب الحكايات عن حد البرامج، وقد نقلت وصفها والتنويه بها في المقال السابق؛ ومن جملة هذه الحكايات:
1. ما نقله ابن ظافر الأزدي عن أبي الحسن بن المفضل المقدسي قال: أخبرني الشيخ أبو الحسن علي بن عتيق بن مؤمن القرطبي الأنصاري قال: عمل والدي محملا للكتب من قضبان شبه سلماً، فدخل عليه أبو عبد الله محمد بن مفيد فرآه، فقال ارتجالا مخبراً عن لسان حال السلم:
أيهـــا السيــــد الذكــــي الجنــان *** لا تقسنــــي بسلـــــم البنيـــــان
فضل شكلى على السلالم أنــي *** محمــــل للعــــلـــــوم والقــــــرآن
حــزت من حليــة المحبين ضعفي *** واصـفـــــراري ورقـــــــة الأبـــــدان
فـــادع للصـــانع المفيـــد بفــــــوزٍ *** ثـــــم وال الدعــــــاء للإخــــــــوان
ثم عمل أيضاً:
أيهـــا السيد الكريــم المساعـــي *** التقت صنعتـــي وحسن ابتداعـي
أنــــا للكتب محمـــل خف حملـي *** أنا في الشكــــل سلــــم الإطلاع[1]
2. ومنها أيضا ما نقله التيمي في المستفاد: “أخبرني الشيخ الحاج أبو الحسن، علي بن عتيق رحمه الله تعالى، قال: لما وصلت إلى مكة اجتمعت بالشيخ أبي الحسن، علي بن حمود المكناسي، وقلت له: ما الآيات البينات التي في البيت؟ فقال لي: ذلك كثير لمن تأمله واعتبر. لا يكاد يمر به يوم من الأيام إلا رأى فيه آية. فوصف من ذلك أشياء. فلما وصف أنه قال: كنت مرة أطوف في ليلة مظلمة في جوف الليل، والمطاف ليس فيه إلا قليل من الناس. فبينما أمشي، إذ رأيت هراً مقبلاً يمشي على جنبه، أكثر مما على قدميه من ريح أصابه أو عله، ويسمع له مثل الأنين، فجاء حتى صار تحت الحجر الأسود، فرقد هنالك، فتركته ومشيت، فلما عدت، وجدته في موضعه، فجزته فإذا خلفي رجل، فهزه، فقام الهر يمشي، كأنما نشط من عقال، يجري سريعاً وما به شيء. فعلمنا أنه جاء يستشفي، فتعجبت من ذلك”[2].
وأما مروياته فلَم يَتيَسر لي الوقوف فيما رجعت إليه من المصادر إلا على كتاب واحد وهو التاريخ الصغير للبخاري؛ وجدت النقل عنه مع النص على ذلك في السنن الأبين لابن رشيد؛ فقد ذكر حكاية مسلم المشهورة التي وقعت له مع البخاري بشأن حديث كفارة المجلس وهو حديث أبي هريرة مرفوعا: كفارة المجلس واللغو إذا قام العبد أن يقوم سبحانك اللهم… الحديث؛ وتعليل البخاري له، وإعجاب مسلم به؛ ثم قال: “وقد روى هذا الحديث البخاري في تاريخه الصغير. أنا غير واحد منهم الفقيه السري الفاضل الجليل أبو إسحاق إبراهيم ابن القاضي أبي الوليد ابن الحاج فيما أذن لي فيه عن الرواية أبي الحسن الشاري عن الحافظ أبي الحسن علي بن عتيق بن مؤمن الخزرجي القرطبي عن أبي الحسن علي بن محمد بن موهب قال أنا العذري أبو العباس قلت ومن خطه نقلت ومن أصل سماعه على أبي ذر قال أنا الشيخ أبا ذر عبد بن أحمد الهروي قراءة عليه بمكة شرفها الله قال أنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه بسرخس قال أنا أبو محمد زنجويه بن محمد النيسابوري قال نا محمد بن إسماعيل البخاري قال نا محمد بن سلام قال أنا مخلد بن يزيد قال أنا بن جريح قال: حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من جلس فقال سبحانك ربنا وبحمدك فهو كفارة.
قال البخاري نا موسى عن وهيب قال نا سهيل عن عون بن عبد الله ابن عتبه قوله وهذا أولى ولم يذكر موسى بن عقبة سماعا من سهيل وهو سهيل بن ذكوان مولى جويرية وهم إخوة: سهيل وعباد وصالح ومحمد بنو أبي صالح، وهم من أهل المدينة. انتهى كلام البخاري
كذا وقع بخط العذري عن وهيب نا سهيل عن عون بن عبد الله وهو خلاف ما ذكرناه قبل من طريق الخليلي حيث قال عن وهيب عن موسى بن عقبة بن عون”[3].
قلت: وقد وقع في النسخة المطبوعة من التاريخ الصغير ما نقله ابن رشيد كما نقله[4].
هذا ما تيسر لي الوقوف عليه وسأعرض في المقال المقبل -إن شاء الله تعالى- لشيخ آخر من شيوخ ابن القطان على نفس النهج الذي سرت عليه في هذه الترجمة وما سَبَقَها.
يُتبع …
—————————————-
1. بدائع البدائه.
2. المستفاد في مناقب العباد1/120.
3. السنن الأبين تح: صالح المصراتي. مكتبة الغرباء الأثرية المدينة ط1- 1417.
4. التاريخ الصغير 2/40 محمود إبراهيم زايد.
أرسل تعليق