ابن أبي الربيع الاشبيلي.. (2)
أخذ عن الأستاذ ابن أبي الربيع الاشبيلي ثلة من علماء سبتة نذكر منهم قاسم بن عبد الله بن محمد بن الشلط، وهو الذي تولى كتابة برنامج شيخه، في حياة الشيخ، وبحضرته وعلى مسمع منه؛ ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن الحاج السلمي البلفيقي، كانت دراسته كلها على صاحبنا ابن أبي الربيع، فقد أخذ عنه القرآن بالقراءات وتفقه عليه في رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ثم أخذ عنه العربية واللغة، واستظهر عليه فصيح ثعلب؛ ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر أبا الطيب السبتي، قرأ عليه الإيضاح وكتاب سيبويه، وهو الذي أدخل شرح ابن أبي الربيع إلى مصر، كما اختصره[1]؛ ومحمد بن عبد المهيمن الخضرمي: تتلمذ لابن أبي الربيع واختص به، وكانت له حظوة لدى الشيخ وبإشارته تولى قضاء سبتة؛ ومحمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري السبتي، درس أول عهده بالدراسة: الجمل، والإيضاح، والكتاب على ابن أبي الربيع؛ والقاسم بن يوسف بن محمد بن علي بن القاسم التجيبي. ذكر في برنامجه الحافل ما أخذه عن شيخه ابن أبي الربيع[2]؛ ومحمد بن أحمد بن محمد النميري؛ وإبراهيم بن أحمد الغافقي؛ ومحمد بن يوسف بن إبراهيم ابن مشون؛ ومحمد بن علي بن قطرال[3].
لقد كان في تلاميذ ابن أبي الربيع كثر، فقلما نجد طالب علم من أهل سبتة عاش في النصف الثاني من القرن السابع إلا وأخذ عنه وتتلمذ عليه، بل إن طلبة الأندلس وباقي المغرب كانوا يشدون الرحلة إلى الإمام، وهكذا فقد انتفع به خلق كثير. وهو بذلك يعتبر من العلماء الذين أثروا في جيل بأكمله..
يقول العلامة ابن الزبير: “..ونفع الله به كثيرا، وكان نحويا لغويا جليلا فقيها فرضيا معانا على علمه بما جبل عليه من الانقباض عن الناس ومباعدة أهل الدنيا وقلة العيال وشغل البال منعكفا على التدريس والتعليم حتى أتاه اليقين”[4].
نستفيد من الفاضل إسماعيل الخطيب في كتابه “الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع” (منشورات جمعية البعث الإسلامي –تطوان- 1986) أن الفترة التي قضاها الإمام بسبتة لم تكن قصيرة فقد جاء إليها سنة 646 “وأقرأ بها النحو دهره”[5] وظل بها يبث العلم إلى أن توفي سنة 688 ودفن بالمقبرة الكبرى بسفح جبل الميناء[6] فيكون قد قضى بسبتة ما يزيد عن الأربعين سنة.
فيما يتعلق ببرنامج ابن أبي الربيع، فهو “صغير الحجم بصورة تستلفت النظر، سواء في عدد الشيوخ أو في عدد الكتب المروية، فالألوان إثنا عشر شيخا لا أكثر، ولقد وجدنا إشارات متعددة في كتب التراجم إلى فهارس تشتمل على مآت الشيوخ ومنها ما يبلغ في العدد إلى ستمائة شيخ، والكتب التي سردها ابن أبي الربيع في القسم الثاني من البرنامج لا تتجاوز أربعة وثلاثين كتابا، يضاف إليها ستة كتب وردت في قسم التراجم ذكر الشيخ أسماءها ولم ترد في باب الكتب فيبلغ مجموع ذلك أربعين كتابا“[7].
إنه مما لا شك فيه أن الشيخ قرأ العدد الكبير من الكتب وجالس واستمع وناظر العدد الكبير من أهل العلم. وعندما كان يملي برنامجه على تلميذه لم يقصد إلى تسجيل كل كتاب قرأه ولا كل شيخ أخذ منه، وإنما عمل على تسجيل أسماء الكتب (المقررة) التي درسها خلال المرحلة الثانية من حياته العلمية (هي مرحلة الانقطاع للعلم للتخصص) دراسة حفظ واستظهار أو دراسة تدقيق وتحقيق ومن هنا صغر حجم برنامجه وقلت أسماء الكتب ومن هنا أيضا زادت قيمة برنامجه لأنه أصبح مستندا للكتب المقررة في مرحلة الدراسة العالية في عصره[8].
وقد كان اعتماد ابن أبي الربيع فيما يقرئه على تصانيفه إلى جانب بعض الأمهات وقد ذكر لنا العلامة التجيبي في برنامجه الشهير ما أخذه عنه. فذكر أنه قرأ عليه: كتاب الفصيح من تأليف أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي مولى معن بن زائدة الملقب بثعلب رحمه الله تعالى، قرأت جميعه تفقها على العلامة أبي الحسين بن أبي الربيع القرشي رحمه الله تعالى[9]؛ وكتاب الجمل في النحو تأليف أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي رحمه الله تعالى قرأت جميعه تفقها على العلامة الأوحد أبي الحسين بن أبي الربيع القرشي رحمه الله تعالى[10]؛ وكتاب الإيضاح تأليف النحوي أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، قرأت كثيرا منه تفقها على العلامة النحوي اللغوي أبي الحسين بن أبي الربيع القرشي رحمه الله[11]؛ و كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه، سمعت طائفة منه تفقها على آخر أئمة المقرئين له بمغربنا الأقصى العارفين بغوامضه العلامة أبي الحسين عبيد الله بن أبي الربيع القرشي رحمه الله تعالى”[12]؛ و”كتاب الملخص في ضبط قوانين العربية من تصنيف العلامة أبي الحسين بن أبي الربيع القرشي المذكور رحمه الله تعالى سمعت عليه بعضه وأجازه سائره وجميع ما ألفه ورواه”[13]؛ والشرح الأوسط على كتاب الجمل المذكور من إملاء شيخنا العلامة أبي الحسين بن أبي الربيع المذكور رحمه الله تعالى قرأت عليه جملة منه وأجارنا سائره وله على كتاب الجمل المذكور عدة شروح أعظمها الكتاب الموسوم بالبسيط وهو في عدة مجلدات ظهر فيه حفزه وتبريزه[14].
نقرأ في كاتب إسماعيل الخطيب حول “الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع” أنه كانت لابن أبي الربيع اجتهادات، وقد ذكر صاحب “المدارس النحوية” إلى أنه “كان يذهب إلى أن “ليت” إذا اقترنت بما جاز دخولها على الأفعال، فقال “ليتما قام زيد”[15] ورتب على ذلك أن مثل “ليتما زيدا أكلمه” زيد فيه منصوب على الاشتغال والجمهور يجعل زيدا اسما لليت؛ لأن ما لا تلغى عملها[16] وذهب إلى أن عيونا في (وفجرنا الأرض عيونا) بدل من الأرض[17] كما ذهب إلى أن “لكن” مقترنة بالواو تعطف الجمل بعضها على بعض، مثل (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين)[18].. إننا إزاء رجل فاضل عالم بحق، دليلنا على ذلك تأثير فكره وعلمه وكتاباته في عصره وما بعد عصره؛ ثم إن فكره القصدي قد أثمر وأينع وأنتج طرائق في التفكير ومناهج في البحث طورها تلاميذ ابن أبي الربيع بفضل من الله…
رحم الله العلامة ابن أبي الربيع الاشبيلي ونفع الأمة بعلمه، والله الموفق للخير والمعين عليه..
———————————————————
1. الوافي بالوفيات 2:6.
2. راجع ما قرأه عليه من كتب في فصل (مقروؤاته).
3. الإعلام، 4: 339.
4. صلة الصلة ص: 83 مخطوط مكتبة تيمور –القاهرة– عن “كتب برامج العلماء في الأندلس” للدكتور الأهواني، ص: 24.
5. بغية الوعاة، 318.
6. اختصار الأخبار للأنصاري، 15 المطبعة الملكية تحقيق عبد الوهاب بن منصور.
7. كتب برامج العلماء بالأندلس ج: الدكتور، ع. العزيز الأهواني – مجلة معهد المخطوطات العربية ج 1-2 ص: 25. نقلا عن إسماعيل الخطيب (مرجع سابق).
8. المرجع السابق ص: 28.
9. برنامج التجيبي، اللوحة 128 وجه أ مصورة الأستاذ إبراهيم الكتاني عن مخطوط الاسكوريال.
10. برنامج التجيبي، اللوحة 126 وجه أ.
11. برنامج التجيبي، اللوحة 126 وجه ب.
12. برنامج التجيبي، اللوحة 126 وجه أ.
13. برنامج التجيبي، اللوحة 126 وجه ب.
14. برنامج التجيبي، اللوحة 127 وجه أ- ب.
15. المغنى 315.
16. المغنى 646.
17. الهمع 1: 251.
18. المدارس النحوية: 319، وانظر له بعض اختيارات وآراء فرعية في الهمع 1: 224، 225، 228، 234 وكذلك في الأشباه والنظائر، 1: 206-247-262.
أرسل تعليق