إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت
يقول عز وجل في محكم كتابه الحكيم: “مثل الذين اَتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اِتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الاَمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” [العنكبوت، 41-43]، لقد ضرب الله عز وجل في هذه الآية الكريمة مثلا بليغا شبه فيه حال بيوت المشركين الذين يتخذون من دون الله أولياء يعتمدون عليهم، كشأن العنكبوت حينما تتخذ بيتا مع العلم أن أضعف البيوت على وجه الأرض هو بيت العنكبوت، لكونه لا يقي حرا، ولا يدفع خطرا ولا ضررا، سواء في الحرِّ والبرد والرياح.. فهو مُهدد في كل وقت وحين، ويأتي هذا الوصف البليغ قياسا على حال المشركين اللذين يعتمدون على غير الله. فمعتمدهم هذا لا أساس له من الصحة؛ لأنه مبني على أركان باطلة وهمية.
وإلى جانب هذه الحكمة الإلهية نجد أن هذه الآية تحمل في طياتها جملة من المعاني والحقائق العلمية المعجزة التي تبين قدرة الله عز وجل في خلق هذا النوع من الحشرات، ممَّا يمهد الطريق للمتأمل ليقف على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وليتتبع حِكم القدرة الإلهية في بديع صنعته. فماذا يقول علماء الحشرات عن العنكبوت؟
إن العنكبوت: صنف من الحشرات ذات بطون وأرجل، وهي من أقدم المخلوقات على وجه الأرض، حيث ظهرت لأول مرة قبل ظهور أولى الحشرات الطائرة، وهي أنواع كثيرة منها صنف يسمى ليث العناكب وهو الذي يفترس الذباب، وكلها تتخذ لأنفسها نسيجا تنسجه من لعابها يكون خيوطا مشدودة بين طرفين من الشجر أو الجدران..
ومن جهة أخرى فقد صنف العلماء 30000 نوع من العناكب، وهي تتميز بخصائص مشتركة منها
• أنها تحمل غددا في بطنها تفرز سائلا يجف فور ملامسته للهواء فيصبح على شكل خيوط حريرية دقيقة جدا، كل خيط من خيوط العنكبوت مركب من أربعة خيوط وكل خيط منها يتكون بدوره من عدة خيوط؛
• أنها تبني بيوتها من هذه الخيوط بدءا من الأعصاب الرئيسية على شكل أسلاك عجلة الدراجة، ثم تنسج من مركز هذه الأعصاب خيطا يصل الخيوط بعضها ببعض في اتجاه دائري. فالعنكبوت حشرة ماهرة في نسج شبكة في غاية الدقة تتخذها مسكنا ومصيدة للحشرات. تقوم العنكبوت بطلاء هذا النسيج الشبكي بمادة لزجة لتلتصق الحشرات فيه ثم تعمل على تقييدها في هذه المصيدة بخيوط أخرى ثم تفرز في الفريسة سما من غددها وتقتلها بزوج من الكلاليب؛
• أنها تتغذى عن طريق امتصاص السوائل المكونة لجسم فريستها؛
• أن النسيج العنكبوتي لا يصلح لأكثر من ليلة واحدة حيث يجف ويفقد ميزته اللاصقة فيتمزق سريعا. فبيت العنكبوت إذا في منتهى الوهن؛
• أن أنثى العنكبوت تقوم بوضع بيضها داخل شرنقة حريرية تفرزها على شكل كرة تلصقها بمؤخرة بطنها لتكون ملجأ لبيضها؛
• أن أنثى العنكبوت هي التي تبني البيت وليس الذكر الدليل على ذلك قوله تعالى: “كمثل العنكبوت اتخذت بيتا“، وقد أثبت علماء الحشرات أنها هي التي ترغبه في التزاوج فيأوي إلى بيتها؛
• إن سلوك العنكبوت يتميز بصفة لا مثيل لها بين الكائنات الأخرى، فأنثى العنكبوت سيئة وتتصرف بعدوانية وأنانية مع زوجها وصغارها.. فمباشرة بعد التلقيح تقتل العنكبوت زوجها إن لم يفر وتفترسه. كما أن العنكبوت الأم تفترس صغارها إن لم يهجروا البيت وقد يأكل بعضهم بعضا. فبيت العناكب، من حيث الروابط الأسرية، بيت واه مليء بالغدر والظلم والقتل والخداع بين جميع أفراده.
لقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالتفكر في خلقه، وضرب لنا مثلا لمن انشق عن طريق الهدى واتخذ من دون الله وليا كهذه الحشرات العدوانية المليئة بالغدر والخداع، فمن فعل ذلك يجد نفسه واقعا في شراك الضياع وعدم الاستقرار: “وَمَنْ اَعْرَضَ عن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ اَسْرَفَ وَلَمْ يُومِنْ بأيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى” [طه، 122-125].
المراجع
1. ماهر أحمد الصوفي، الموسوعة العلمية الكبرى، آيات الله في مماليك الطير والنحل والنمل والحشرات. المكتبة العصرية صيدا، بيروت.2008م.
2. نادية الطيارة، موسوعة الإعجاز القرآني في العلوم والطب والفلك، الطبعة الأولى، مكتبة الصفاء أبو ظبي 2007م.
3. أحمد شوقي إبراهيم، موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، الجزء السادس، الطبعة الأولى، نهضة مصر 2006م.
أرسل تعليق