إضاءات حول فكر العلامة محمد بن الحسن الحجوي
في مقال بجريدة الشرق الأوسط[1] يحلل المفكر اللبناني رضوان السيد بعض جوانب الفكر الإصلاحي عند محمد بن الحسن الحجوي، ومن بين ما خلص إليه : “أنه إذا كان هناك تماثُلٌ في الإطار المرجعي بين أمثال الطاهر الفاسي وابن الموّاز وخير الدين التونسي ومحمد عبده ورشيد رضا وصولا إلى الثعالبي وعلال الفاسي؛ فإننا لا نكادُ نجدُ بين هؤلاء وعلى مدى قُرابة القرن مَنْ مارس مثل الحجوي عملينِ معاً وبالدأَب نفسه : التفكير الفقهي التأليفي والإصلاحي، والعمل العام مع الدولة…فعلى مدى نحو السبعين عاما من الكتابة، ترك الحجوي أكثر من مائة عنوان ما بين رسالة وتسجيل لخبر ومؤلَّف كبير. ومن تلك المؤلفات التي اشتهرت: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، و”التعاضُد المتين بين العقل والعلم والدين”، و”الرحلة الأوروبية”، وإصلاح التعليم، وتعليم البنات، ومستقبل التجارة بالمغرب… وقد اعتبر الحجوي في كتابه الفكر السامي أن الفقه الإسلامي هو ابن وقته وفترته وعصره، وأنه فقه تاريخي متطور له ماض وحاضر ينبغي التفكير فيهما..
والملاحظ أن الحجوي كان الأشد والأوسع اهتماما بمشكلة التعليم من بين إصلاحيي النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. وهذا لا يعود إلى توليه لوزارة التربية والتعليم لأزيد من عقدين وحسْب، بل ولوجود ذلك الاهتمام في أصل تفكيره بالتمدن وشروط التقدم، وما هي السُبُل المؤدية إلى إصلاح الحال وصلاحها. وكان –حسب رضوان السيد- لا يرى ضرورة للقطيعة بين القديم والحديث، فالتغيير بالنسبة له يظلُّ محصورا بأمرين: المعارف الجديدة، والتنظيم، المؤدي إلى الإفادة منها في الحياة الشخصية والحياة العامة.
وإن هذا الوعي بالضرورات أو المصالح، هو الذي قاد الحجوي ومُعاصريه إلى ما سبق ذكْرُهُ من اعتبار أسباب التقدم والمدنية، والتأسيس من جهة أُخرى على مقاصد الشاطبي للاجتهاد في التلاؤم مع العصر والإعداد للمستقبل. وقد أثار رضوان السيد الانتباه إلى نص في “الفكر السامي” يبرز كيف يوفق محمد الحجوي بين ركني تفكيره: شروط الاجتماع البشري وتمدنه، والمصالح الضرورية للاستمرار هو: “لم يجعل الله شريعة من الشرائع منافية لناموس الاجتماع“. ونص آخر يقول فيه: “الشريعة لا بد أن تتبع أحكامها الدنيوية الأزمان والأمم، لحفظ المصالح العامة..”. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات جميعا، وفي طليعتها الانفتاح والجمع بين النظر والعمل، يرى رضوان السيد أن الحجوي (تـ 1956م) يقع في أبرز حلقات السلسلة التي يبلغ بها الذروة علال الفاسي (تـ 1974م)…
وأرى هنا أن صاحبنا رضوان السيد يضع يده على نقطة مفصلية في تاريخ الفكر الإصلاحي المغربي وتطوره ومآلاته، مبرزا هذا الامتداد بين الحجوي والفاسي.. لقد كتب علال الفاسي في”النقد الذاتي: أن “ما نراه من تنازع بين المذاهب العصرية على اختلاف ألوانها، ليس في الواقع إلا وسيلة من وسائل التمحيص لمُثل الاجتماع العليا بواسطة التجارب الإنسانية.. ولذلك فالواجب هو أن نقوم نحن بهذا التمحيص وفقا لتجاربنا وتجارب غيرنا“[2]. ويعتبر علال الفاسي أن الفكر الإسلامي في دعوته العامة يجعلنا نتجه بوضوح كامل إلى إنسانية صادقة تتلمس الخير من الجميع لفائدة الكل، ولا تتخوف من الاتصال بمختلف الأوساط وشتى البيئات، والبحث معها عما يساعد على التقدم والعمران وتحسين حالة المجتمع البشري، والارتفاع به للمستوى العالي الذي خلق من أجله، وكل مجهود نبذله في هذا الصدد من أجل بلادنا ووسطنا يعتبر في الفكر الإسلامي جزءا من المجهود العام الذي تبذله الإنسانية جمعاء لتحقيق عالم أفضل”[3]. لكن مشروع الحجوي وعلال الفاسي توقف ولم يستمر بسبب سيادة عقلية “إحيائية” طهرانية في مجال الفكر الإسلامي تعتبر الهوية مجرد مسألة ظاهرية من جهة، وبإفقار أفق الفكر السياسي الذي كان خطّ معالِمَه المرحوم علال الفاسي من جهة أخرى… لكن بوادر الأمل بدأت تطل من جديد عبر بروز ما يمكن تسميته “بعلم الكلام الجديد”، بما يعني إعادة تناول مسائل الدين والحضارة والتاريخ تناولا فلسفيا يرقى بمستوى التفكير ويحول الأفكار إلى خبرات في الحياة والمجتمع.. وهذا درس من أهم دروس الحجوي وعلال الفاسي…
والله الموفق للخير والمعين عليه
——————————————————————
1. العدد 11571، 3 غشت 2010م.
2. مطبعة الرسالة، 1979، ص: 264.
3. النقد الذاتي، ص: 124.
أرسل تعليق