إرساء ثقافة السلم والسلام.. (1)
التتابع البشري ما بين الصعود والهبوط، يلخص منحدرات ومرتفعات الحضارة الإنسانية في الحياة، كل ذلك تزامن مع ظهور النزعة الإنسانية الكامنة في باطن الإنسان، والإقرار بالاختلاف والتنوع، مع ضرورة التعايش والتساكن، بمعنى أن الإنسان وحده القادر على مواجهة التغير وتدبيره، والقدرة على التميز والاختلاف، والحضور الإيجابي في عالم يتسم بالصراعات والاضطرابات، وتحكمه علاقات القوى والتغلب والعيش وفق مستلزمات العصر، وإرادة الحياة تسير مع العصر الذي فيه الناس بما يناسبهم من أسباب الحياة، وطرق التعامل والمعاشرة.
والله تعالى جعل للحياة أسبابا وآفات، ولا ينعم بالحياة إلا من قاوم الآفات وتمسك بالأسباب، وهذا يفرض على كل عاقل إدراك قيم التقدم والرقي والتطور، والتذكير الدائم بضرورة الإجماع في مجتمع متعدد، وضمان عدم التخلي عن القناعات دون اللجوء إلى العنف والتطرف، أو وسائلهما بما يحتم إدانة العنف، وبما يعتبر مساهمة إنسانية أساسية في إرساء ثقافة السلام والسلم الحضاري والاجتماعي، وتربية النشء على العيش مع الذي يخالفنا ويكرهنا ويختلف معنا، وبما يوفر التقدير والاحترام لكل إنسان.
والاهتمام بفكرة الانفتاح لاكتشاف معاناة البشرية الحقيقية، حتى تكون على علم أن هناك أناسا يستحقون الحياة، والواقع لا يرحم من وضعوا أنفسهم في صناديق مغلقة، فترى أن الأخر بالنسبة لنا شخص مريب ومخيف، وحتى نزيح عن الوجوه السلبيات المنفرة فنحن في حاجة للكثير من الجهد حتى نتمكن من خلخلة معايير راسخة ومستقرة، لمحو اللحظات التي تجعل التواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان جثة هامدة، والحياة الحاضرة تحتاج إلى نساء ورجال كل واحد منهم يمثل سلة فاكهة مثمرة وناضجة، ينقل إلى الغرب ثقافة الشرق ويجلب من الغرب ثقافة مغايرة، دون خوف ودون خشية، وهذه حفريات لابد منها لفهم المجتمعات الإنسانية من طرف الأجيال الصاعدة بما يساهم في حصول نقلة نوعية في مسار التعارف والتحاور؛ ذلك لان البشر هم الذين يتحاورون لا الحضارات، ولكسر حاجز الخوف يتجاوز فيها البلاهة بالحدس ونور الفراسة والإنذار المبكر، مع كل إنسان راشد عارف وكآدمي ناضج يعرف ما يقول ويعيه.
وأما الذين ينفسون علامات الاستفهام والتعجب والدهشة؛ فإنهم يتعاملون مع الأخر بعلامات الاستهانة والاستئثار، وكان الإنسان الأخر رجل مقيت خلف الستار في مسرح العرائس، تحترق فيه روح الإنسانية، كمجموعة دخلت في عتمة الفكر مطوية في ردهات الزمن، يعمهون في حيرة رؤية الروح للخوف في الخوف وهم يتهامسون: غلقوا الأبواب والنوافذ، ومن ثمة تظهر المواقف العقيمة الرافضة، وبهذا الرفض لن يكون لنا مكان في المستقبل بلا أدنى مبالغة، بعد أن تجاوزت هذه المواقف الشوهاء كل الحدود.
إنه جرح حاضر ونكبة مستمرة وضرب التخريف ناسين أو متناسين لمسار الأحداث العاصفة التي أطاحت برأس جبل الجليد، وهي الآن تغوص تحت المياه الراكدة لمطاردة شبح الخوف وفرض الشعارات العفنة التي تتحرك فيها القوى التي لا تفكر في مستقبل الأمة، وبالتالي فإن أصحاب الحق والمطالب هم الذين يجب أن يتبنوا مطالبهم إلى النهاية، والأجيال الحالية أن فكرة المستحيلات لم تعد واردة في قاموسهم، بل إن ما تقوم به الأجيال الشابة هو أن الغد بكل آماله لن يتحقق إلا على أيدي أهل الحلم وصناعه من الشباب إيمانا منه بمسؤوليته التي اضطلع بها وهو يتطلع لمستقبل أفضل، مستفيدا من أخطاء الأجيال السابقة، بما كان نكبة وينبوع شر على البشرية جمعاء والشباب بمقدوره اليوم أن يقدم التصور البديل المخالف للخروج من الوحل، كمجموعة بشرية عاقلة تكدح للبقاء والنمو.
إن الإهانة التي تعيشها الأمة اليوم، هي إهانتها لنفسها، وليس إهانتها من قبل قوى خارجية، إنها إهانة متأتية من الذات وهذا هو الجرح في رحلة الشقاء، وهو الحجر الشائك الذي لا ينبت عليه العشب بل هو الفلك الجانح لا وجهة له، أو صنبور ماء ظل يسيل منسيا أناء الليل وأطراف النهار، بل هو لوعة المضام بصوت الأنين البشري المكتوم..
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق