أين حرمة النفوس والأرواح مع حوادث السير؟ (2)
إن الإنسان رهين نوعين من الطاقات: فيه طاقات خيرة، تسعى لإصلاح ما أفسد الفاسدون المفسدون، وطاقات شريرة من الغرائز الحيوانية والرغبات الشيطانية، وهي تسعى بالإنسان وتشده إلى طريق الشر وهذه أقوى، ولذلك لا نتصور توازنا بين الشر والخير في الناس رجالا ونساء دون المرور بهذه المرحلة، وهذا ما تشير إليه الآية القرآنية الكريمة: “لكي لا يكون للناس على الله حجة” [سورة النساء، الآية: 165].
والله سبحانه وتعالى أخذ عهدا على نفسه وهو ألا يعاقب قبل التنبيه والتعليم والإرشاد ورسم طريق الخير، ونحن في حياتنا العملية واستعمالنا لوسائل النقل في الطرقات نجد أن المسؤولين قد وضعوا قوانين السير والمرور، وألزموا كل من يستعمل هذه الطرق أن يكون ملما بها حتى يجنب نفسه والآخرين المهالك.
ولو أن الناس احتاطوا لأنفسهم ولغيرهم لما رأينا هذه المآسي التي تقع على الطرقات التي تجرح الأكباد والقلوب وتعبث بحياة الأبرياء والأشقياء في نفس الوقت.
إنه من الواجب استعمال كل وسيلة ممكنة من ترهيب وترغيب ومكافأة وقصاص وحجز حرية، وزجر يتناسب وحجم المخالفة مع التوبيخ والتأنيب، كما تقتضي مصلحتهم ومصلحة الآخرين من الراكبين والراجلين، إنه من المستحيل أن نعطي لمتهور ومتهورة حرية تامة تجلب عليهما وعلى غيرهما من الراكبين والراجلين الهلاك والأحزان والآلام والأوجاع.
إنه يجب أن نعلم الصغار والكبار معنى المسؤولية لإيقاظ الضمائر النائمة والغافلة، ولا ينبغي أن يتركوا كتلة من الغرائز والنزوات والرغبات الجامحة، فالرجل والمرأة البدائيين الجاهلين طفلان كبيران لابد أن يعاملوا بما يعامل به الأطفال وبالأسلوب نفسه، وعلى هذا فالقوانين الوضعية تفعل كما تفعل الشرائع السماوية تماما تميز بين مرحلتين في حياة الإنسان ذكر وأنثى مرحلة القصور والسفه التي تلحق الأذى والأضرار بأفراد المجتمع ومرحلة تستقيم فيها العقول وتأتي القدرة على تمييز الخير من الشر وتحمل المسؤوليات وبذلك يصبح الإنسان راشدا، علينا أن نفعل المجتمع المدني بكل مكوناته وأطيافه، ليشرحوا للناس كيف يكونون رجالا صالحين ونساء صالحات، وبذلك نؤهلهم لتحمل المسؤوليات.
وإذا عدنا نستعرض موقف ربنا تبارك وتعالى من الناس نجده سبحانه وتعالى يشدد في طلبه إلى الأنبياء والمرسلين أن يبشروا العقلاء الصالحين، والعواقل الصالحات، وينذروا الفاسدين والفاسدات بما أعد سبحانه وتعالى من الثواب والعقاب وآنئذ يتركون الإنسان يتصرف على بصيرة من أمره: “فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر اِلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاَكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم” [سورة الغاشية، الآية: 22-26].
وإذا كان هناك أفراد مكنوا من الحرية المطلقة بلا خبرة ولا رقابة؛ فإنهم يفسدون أكثر مما يصلحون، وهذا ما يجعل حياة الناس اتجاههم في رعب دائم “والحق أحق أن يتبع” [سورة يونس، الآية: 35]، لذلك يجب محاسبة المخالفين والمخالفات من السائقين والسائقات والراجلين والراجلات على كل ذنب ومخالفة ليعلموا أن هناك رقابة دائمة تدفعهم من حيث المبدإ لاتباع وسائل الخير والبعد عن الشر، وكما علمتنا القاعدة الشرعية أن الشهود في كل قضية عناصر إثبات لا يمكن ردها ودفعها وهذه الرقابة يأتي في أولها الله تعالى القائل سبحانه: “وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون” [سورة التكوير، الآية: 10-12]. ثم إلى الناس “فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا” [سورة النساء، الآية: 41].
وهذه الرقابة من طرف رجال الأمن والدرك والجمارك بوسائل عصرية، ترصد المخالفين والمخالفات لقوانين السير ليست سلبية يراد تخويف الناس بها، ولكنها إيجابية تحافظ على الأرواح والأموال والممتلكات… إنها تسجل أعمال الخير التي يقدم عليها المستعملون والمستعملات للطرق، كما تسجل أعمال الشر التي يأتيها المخمورون والمخمورات والطائشون والمتهورات، فالسائقون والسائقات الذين يخافون من الرقابة لا يخافون منها على أنها رقابة في ذاتها، بل يخافون من أعمالهم السيئة المخالفة، وهذه مسجلة إما لهم وإما عليهم.
ومع الرقابة المباشرة في الطرق والمدن وقبلها رقابة الله الأساسية، وفي سبيل حماية المجتمع من الرعب والخوف الذي تبين الإحصائيات من اللجنة الوطنية لمراقبة مخالفة قوانين السير كيف تتصاعد بشكل مريع ومخيف حيث لم تنفع مع هؤلاء تنبيهات ولا تحذيرات، فاستعملوا أهواءهم وعطلوا قلوبهم فصدق الله إذ يقول: “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اَقفالها” [سورة محمد، الآية: 24].
وختاما فكبح هذا الاستهتار واجب ديني بالدرجة الأولى ووطني وأخلاقي وإنساني وإلا اختلت المعايير، وتوالت المآسي في حصد الأرواح وتداعيات الأيتام والأرامل والمعطوبين والمعطوبات والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
-
جزاك الله خير الجزاء أستاذنا الكريم
وعيد مبارك باليمن والخير والبركات…
التعليقات