-
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين.
وبعد:
أود في البداية أن أشكر الأستاذة الفاضلة على إثارتها لهذا الموضوع الشائك والخطير في مجتمعاتنا العربية وعلى صدقها الواضح والأصيل في مقاربته. واسمحوا لي في عجالة أن أبدي رأيي المتواضع في هذا الموضوع.
إن السبب الحقيقي وراء ما نشهده من أزمة للأخلاق، بمختلف مظاهرها، في مجتمعاتنا العربية، يعود أساسا إلى نمط الحياة العربية المعاصرة. هذا النمط الذي استحدثناه لأنفسنا، أو لعلنا أجبرنا عليه، بعد الهزيمة الحضارية مع الغرب، والذي جاء نمطا هجينا بين ما تبقى وترسب في حياتنا من عادات وتقاليد اجتماعية تربينا عليها وتوارثناها كإرث مقدس وجميل وبين ما استوردناه من مظاهر الحياة الغربية الرأسمالية المتوحشة. وعندما استوردنا هذه المظاهر لم نستوردها من منظور الندية والمثاقفة بل استوردناها من منظور أنها تشكل الأفضل والأصلح ما دمنا قد انهزمنا أمام صانعيها، وضربنا عرض الحائط بهذا العنصر الأصيل فينا؛ ولأن ما اكتسبته شخصيتنا في قرون لا يمكن أن يمحى في سنوات ظل هذا العنصر حاضرا فينا، شئنا أم أبينا، ليصنع هذا الشرخ الفكري والنفسي الهائل الذي نعيشه الآن في حياتنا. وهذا الشرخ هو ما يصنع أزمتنا لا في الأخلاق فحسب بل في كل مجالات الحياة؛ فكرا وسياسة واقتصادا وإعلاما وهلم جرا. وعودوا بذاكرتكم معي قليلا إلى الوراء لنسترجع تلك الأيام الجميلة التي كنا نعيش فيها منسجمين مع أنفسنا ومع غيرنا. لقد كان كل واحد منا سعيدا بهويته مطمئنا إليها، إن في البادية أو في المدينة، دون أن يعني ذلك بالضرورة إقصاء الآخر. لقد كانت الحياة قوامها التكافل والتعاون والمحبة والانسجام لوضوح الرؤية بيننا جميعا. لقد كنا صغارا نتلقى التربية في البيت وفي الشارع وفي المدرسة، من آبائنا وأمهاتنا وأقاربنا وجيراننا الأقربين والأبعدين ومن معلمينا. وكنا سعداء جدا بما نتلقاه منهم، لا يتطرق إلينا الشك ولو لهنيهة في قيمة ما يقدموه لنا. لم يكن هذا الشرخ المعرفي والقيمي الهائل بيننا وبين من علمونا، مشكورين، في البيت وخارجه. الآن، ومن منظور تائه للحداثة، فتحنا أبوابنا لكل من هب ودب ليعلمنا ويلقننا أصول الحياة، وكأننا كائنات لا جذور ولا أصول لها، والحال أننا صنعنا حضارة يعترف بها المنصفون من الأعداء قبل أن تجد هذا الجحود الغريب منا. وهكذا أصبحنا نتلقى دون أن نمحص ما نتلقاه. وإذا حدث وارتفع صوت أحدنا صارخا ضد هذا الاستيلاب الذي نمارسه على أنفسنا قبل أن يمارسه الآخرون علينا، لم نعدم من بين أظهرنا من تأخذه حمية التعصب للغير لينعتنا بنعوت التخلف والرجعية وما إلى ذلك من نعوت قدحية يتفنن في صنعها وفي إقناع نفسه بها بشكل يدهش ذلك الاخر نفسه! وهذا ما جعل أبناءنا يفقدون الثقة فيما نقدمه إليهم، وحفر بيننا هذا النفق المظلم الذي أصبحنا بسببه نعيش ونتألم لمثل هذه المظاهر التي لم نكن نتوقع حتى أن يصل إليها خيالنا يوما! إن هذا الموضوع الذي بدأته الأستاذة مشكورة ليس مما يحيط به القلم في هذه العجالة، وحسبي منه هذه الخواطر التي أحسست بألمها الشديد يهز كياني فأحببت أن أقاسمكم هذا الألم، وإلى ألم وأمل جديدين بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته… -
الأستاذة الفاضلة نبوية عبد الصمد
شكرا على الموضوع؛
شكرا على الاختيار؛
شكرا على الإحساس بالمسؤولية؛
" أزمة الأخلاق " موضوع الأمس وموضوع اليوم وموضوع الغد، وما الأزمات التي نعانيها اليوم في جميع المجالات اقتصادية، اجتماعية، سياسية إلا نتيجة مباشرة لأزمة الأخلاق، لأزمة العنف ضد الأصول، ضد الأسرة، ضد الآخرين، بل وضد المجتمع، فهذه ظاهرة مركبة ويتداخل فيها ما هو تربوي بما هو سياسي بما هو عالمي، حتى أصبحنا نعيش وفق سلوكات بدائية بعيدة كل البعد عن هويتنا وديننا وعاداتنا، العنف في المدرسة، في الشارع، في العمل، وغالبا يكون عنفا نفسيا أو معنويا، فكيف نرتقي بأنفسنا؟
أكيد أنكم تطرقتم للحلول، فالحياة أشكال، حتى الحيوان له حياة، غير المسلم له حياة، لكننا نحن المسلمين لنا حياة خاصة هي حياة القلوب وحياء النفوس بالابتعاد بها عن الأنانية والحسد والظلم؛ لأنها تقتل القلوب فتموت الأخلاق تباعا…
مرة أخرى شكرا ونتمنى ان تتظافر جهود الباحثين والمثقفين في تكوين الرأي العام عبر تقديم حلول وتوجيهات ودروس تعلمنا معنى الأخلاق ومعنى المسؤولية، فهما درسين أساسيين عليهما يقوم سلوك الفرد والمجتمع.. -
بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله.
الشكر موصول لأختنا الأستاذة نبوية على هذا المقال الثاني في "أزمة الأخلاق".
وقد ذكرت الأستاذة مظهرا خطيرا من مظاهر أزمة الأخلاق عندنا. وأظنها قد بدأت الكلام عن "العنف ضد الأصول" (أو العقوق كما هو معروف) كمثال أولي فقط. ونحسبها سوف تتكلم عن مظاهر أخرى في المستقبل إن شاء الله. نسأل لها التوفيق.
فعلا –كما ذكرت الأستاذة- ما كنا نتخيل أن يستطيع الولد ضرب أصوله حتى رأينا ذلك واقعا. و"الواقع لا يرتفع".
أردت أن أذكر هنا أمرا هاما وسببا فعليا في تشكّل سلوك العقوق، إنها أزمة أخلاق الأبوين أولا. أجل، إن أهم سبب في تدني أخلاق أبنائنا هو فساد أخلاق الآباء أولا وقبل كل شيء.
ما تكاد تجد أبوين ملتزمين متخلقين حيين متعلمين… وأبناؤهم سيئو الأخلاق! أنا شخصيا لا أعرف أسرة بهذا الوصف، لكن لا أنفي وجودها مع تيقني أن هذه الحالة نادرة.
الأسرة أهم عملية في إصلاح العقوق. فإذا كان الأبوان واعيين متخلقين، لا يضرهم سوء أخلاق المجتمع في تربية أبنائهم وإن كان ذلك صعبا وشاقا.
وهنا تذكرت قصة مشهورة وقعت زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
جاء أعرابي يشكي عقوق ابنه لعمر رضي الله عنه، فاستدعى عمر ابن الرجل وعنفه وذكّره بحقوق الآباء على الأبناء… فما كان من الابن إلا أن سأل عمر: "أو ليس على الآباء حقوق على الأبناء يا أمير المؤمنين؟! "قال: بلى، فذكر له أن من حقوق الآباء على الأبناء أن يختار الأب لولده أمّا صالحة، وأن يختار له اسما حسنا ويعلمه… فقال الولد لعمر: إن والده ما اختار له أمّا صالحة، ولما ولد سماه جُعَلا –وهو اسم لحشرة- ولم يعلمه شيئا من القرآن… فنظر عمر للأب وقال له: "لقد عققت ابنك قبل أن يعقك"!.
فهذا هو حال معظم أسرنا، لقد عققنا أبناءنا قبل أن يعقونا هم. فالأولى أن نصلح أنفسنا ليكون صلاح الأبناء بالتبع إن شاء الله.
اللهم أصلحنا ظاهرا وباطنا
التعليقات