أربعة مرتكزات باطنية لإخراج الإنسان الصالح المصلح
تبرز في كتاب الله جملة مرتكزات باطنية لإخراج الإنسان الصالح المصلح، ذي الشخصية السوية كما جاء تجريدها في الوحي، وسوف نجتزئ منها في هذا المقام أربعة:
1. إخلاص النية: فالعبادة لا تقبل ولا الأعمال إلا إذا أخلصت لله وحده، يقول تعالى: “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء” [سورة البينة، الآية: 5] ويقول سبحانه: “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” [سورة الاَنعام، الآية: 162-163] ويقول صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً”[1]؛
2. مراقبة الله تعالى: وذلك لتأخذ الأعمال حظها من الإحسان والإتقان، ففي البخاري ومسلم أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال له: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”. فما شيء يحفز الإنسان على الإحسان في الأعمال مثل اليقين بأن الله عز وجل مطلع عليها، “وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير” [سورة الحديد، الآية: 4]؛
3. محاسبة النفس: فإذا كان تصحيح النية قبل العمل، والمراقبة عند العمل، فإن المحاسبة تأتي بعد العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفس هواها وتمنى على الله الأماني”[2]، وأهمية المحاسبة تأتي من كونها ما تفتأ دافعة إلى الاجتهاد، وتصويب الأخطاء واستدراكها، وكذا إلى استكمال أوجه النقص، والتوق إلى الكمال، كما أنها تنأى بالإنسان عن أن يسقط في العجب والغرور، ولذلك قال الله عز وجل إشارة إلى أهمية محاسبة النفس: “ولا أقسم بالنفس اللوامة” [سورة القيامة، الآية: 2]؛
4. التوكل على الله: وهو لا يعنى بحال اطراح الأسباب، وإهمال السنن، وانتظار الحصاد بغير زرع، أو نمو الزرع بغير تعهد، بل التوكل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والرسل من قبله: بذل ما في الوسع مع الاعتماد على الله قبلاً وبعداً وأثناء، ثقة به، ويقيناً بوعده، وإيماناً بنصره.
والتوكل من أقوى العدد الروحية والمعنوية التي تحيل ضعف الأمة قوة، وقلتها كثرة، وافتقارها وفرة، يقول جل ثناؤه: “وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده” [سورة الفرقان، الآية: 58] ويقول سبحانه: “فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” [سورة اَل عمران، الآية: 159] كما يقول سبحانه: “إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين” [سورة يونس، الآية: 84]؛
ثانياً: القوة:
يقول الله عز وجل: “خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه” [سورة البقرة، الآية: 63] ويقول سبحانه: “خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا” [سورة البقرة، الآية: 93] ويقول تعالى مخاطباً موسى عليه السلام: “فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها” [سورة الاَعراف، الآية: 145] ويقول سبحانه: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل” [سورة الاَنفال، الآية: 60] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير”. [أخرجه مسلم في صحيحه، ح: 34].
والله الهادي إلى سواء السبيل
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
——————————-
1. رواه النسائي في كتاب الجهاد، حديث رقم 24. وأحمد: 4/ 126.
2. رواه الترمذي برقم 2461، وابن ماجه برقم 426، وأحمد 4/ 124، والحاكم 4/ 251 وصححه، ووافقه الذهبي.
أرسل تعليق