أحمد التادلي الصومعي
استمرارا في التعريف ببعض جوانب الحياة الفكرية والثقافية خلال العصر السعدي، نقف في هذه الحلقة مع شيخ جليل من تادلة، كان والشيخ أبي عبيد الشرقي، دفين أبي الجعد، رفيقا الدراسة في زاوية الصومعة تحت إشراف الشيخ الفاضل سيدي سعيد أمسناو؛ يتعلق الأمر بالشيخ الفقيه الصوفي أحمد التادلي الصومعي دفين زاوية الصومعة ببني ملال قرب عين أسردون، وهو يعرف عند العامة اليوم بسيدي أحمد بن قاسم..
يقول علي الجاوي في مقدمة تحقيقه لكتاب “المَعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى” لصاحبه أحمد التادلي الصومعي (ص: 3): “عاش أحمد بن أبي القاسم التادلي الصومعي في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري وعاصر الدولة السعدية في أوج قوتها وازدهارها”..
وقد ولد أحمد الصومعي التادلي في بلدة الصومعة ببني ملال، ونشأ في وسط عالم متصوف، وقد اتفق كل من محمد حجي وليفي بروفنصال وبروكلمان على أنه ولد حوالي سنة 920هـ/1514م. ويفيدنا الأستاذ علي الجاوي محقق كتاب “المَعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى” أنه ثم الاعتماد بالأساس على كتاب “روضة الآس للمقري” لتحديد هذا التاريخ، فقد جاء في كتاب المقري أن أحمد الصومعي كان سنة 1010هـ شيخا “أناف على الثمانين”.. وقد جهد الأستاذ علي الجاوي في تفنيد سنة 920هـ كتاريخ تقريبي لميلاد أحمد الصومعي اعتمادا على أن هذا الأخير أخبر أنه تردد على شيخه سيدي علي بن إبراهيم البوزيدي (تـ 957هـ) وهو صغير السن، وأدركه في آخر حياته، ويدعم محقق كتاب “المعزى” رأيه بقول محمد المهدي الفاسي أن الصومعي توفي سنة 1013هـ عن اثنين وسبعين سنة، وتبعا لهذه الإشارة يستنتج علي الجاوي أن أحمد الصومعي ولد سنة 941هـ..
تعلم الصومعي القراءة والقرآن في زاوية الصومعة على يد الشيخ سعيد أمسناو، وكان على اتصال دائم بكبار مشايخ التصوف في تادلة، ذلك أنهم كانوا كثيري التردد على والده في منزله.. بعد فترة الدراسة الأولية في زاوية الصومعة توجه أحمد الصومعي إلى فاس طلبا للعلم، وقد قرأ بالأساس على أستاذه أبي العباس أحمد بن محمد العبادي التلمساني العقيدة المعروفة بكبرى السنوسي سنة 966هـ، ورجع الصومعي إلى بني ملال بعدما حصل علما محترما بفاس، خصوصا في الفقه والأدب والتاريخ. وقد لاحظ أحمد المقري في “زهرة الآس” ميزة فريدة في صاحبنا الصومعي عندما قال: “وشاهدت من كثرة حفظه لحكايات الصالحين عجبا، يذكر بكل محل ما يناسبه، ومع ذلك يأتي أيضا ببعض الحكايات التاريخية” (زهرة الآس: ص: 300)؛ ومما يدل على المكانة العلمية لصاحبنا الصومعي أن الداهية العالم الثائر ابن أبي مْحَلّي لما أراد تحقيق نسب أسرته لجأ إلى أحمد التادلي الصومعي وطلب إليه سنة 981هـ أن يزوده بمعلومات تشفي غليله، ونعته بـ “أستاذي” و”نسابة وقته”، وهذا دليل كبير على المكانة العلمية التي عرف بها الصومعي بين معاصريه، نقول هذا ونحن ندرك القيمة العلمية لابن أبي محلي. وقد انبرى أحمد الصومعي لنشر العلم والصلاح بزاوية الصومعة ببني ملال، مطبقا دروس المدرسة الجزولية في إيواء الطلبة والغرباء، وخلف كتبا كثيرة معظمها في التصوف، وكان شغوفا بجمع الكتب واقتناءها واستنساخها، وقد تجمع في آخر حياته ما يقرب من ألف وثمانين مجلدا (القادري: نشر المثاني، ج1: ص: 113)..
أما عن الحياة الفكرية في عهد أحمد التادلي الصومعي فتكفي الإشارة -دون تفصيل- إلى بعض المؤلفين البارزين الذين عاصروا أحمد الصومعي: “ففي العلوم الفقهية تنافس الفقهاء في شرح مختصرات الفقه المالكي والتعليق عليها، وكثرت المناظرات والمناقشات الحادة بينهم واشتهر من بين الفقهاء أبو محمد سُقَّين السفياني المتوفى سنة 956هـ، وأبو عبد الله اليسِّيثني (897-959هـ) وأبو العباس أحمد بن علي المنجور الفاسي (926-995هـ)، وأبو محمد عبد الله الهبطي، وأبو القاسم بن علي بن خجو المتوفى سنة 956هـ، وأبو عبد الله القصار (938-1012هـ)، وأبو العباس أحمد بن يوسف الفهري الفاسي (941-1021هـ)، وأبو زكرياء يحيى ابن محمد السراج (921-1008هـ)، وفي علوم اللغة والنحو برز أبو العباس أحمد القدومي المتوفى سنة 922هـ، وأبو علي الحسن الزياتي (964-1023هـ) الذي كان رئيس ديوان الإنشاء ببلاط أحمد المنصور الذهبي، ومن الأدباء نذكر أبا عبد الله محمد الفشتالي المتوفى سنة 1021هـ، وكاتب سر أحمد المنصور محمد بن عيسى الصنهاجي المتوفى سنة 990هـ، ومحمد بن علي الهوزالي شاعر الدولة الرسمي المتوفى سنة 1012هـ، وعرف عصر الصومعي ازدهارا كبيرا للعلوم التطبيقية، خصوصا قطاع الطب والصيدلة، فقد اعتنى المنصور الذهبي شخصيا بالطب، وأسس ما يمكن أن نعتبره “مجمع الطب والصيدلة”، كان فيه أمهر الأطباء والصيادلة مثل أبي عبد الله محمد الطبيب، وأبو القاسم بن محمد الغساني المعروف بالوزير صاحب الكتاب في “الحميات”، وكتاب “حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار (أنظر مقدمة تحقيق المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى).
في هذه البيئة العلمية المباركة، انخرط أبو القاسم الصومعي ليكون شخصيته العلمية، وقد سبق أن ذكرت في مقالتي حول “أبي عبيد الشرقي” مؤسس زاوية أبي الجعد (جريدة ميثاق الرابطة، عدد 79) أن الصومعي وأبا عبيد الشرقي درسا معا في “زاوية الصومعة” التي كان يرأسها الشيخ أمسناو، وكانت بين الصومعي والشرقي منافسة كبيرة في تحصيل العلم والتفوق فيه، وكانت النتيجة أن توفق الاثنان علميا وحضاريا، إذ بالإضافة إلى التراث العلمي الذي خلفاه، فقد ساهما في ازدهار العمران والحضارة انطلاقا من زاويتيهما في كل من بني ملال بالنسبة للصومعي، وأبي الجعد بالنسبة للشيخ الشرقي..
وقد تأسست زاوية الصومعة على يد الشيخ أبي عثمان سعيد بن أحمد بن موسى الشهير بأمسناو، وهو تلميذ عبد العزيز التباع، توفي بزاويته بالصومعة ولم يعقِّب؛ ومنه نعلم أن زاوية الصومعة ببني ملال زاوية تباعية جزولية، ولاشك أن السيد أمسناو قد تشرب ثقافة “المدرسة الجزولية” في مجال علم العمران، فانبثقت الزاوية الصومعية ببني ملال لتنشر العلم والصلاح وتساهم في ازدهار العمران.. وتجدر الإشارة إلى أن أول زاوية أسست بتادلة قبل زاوية سعيد أمسناو هي زاوية آكرض على يد الشيخ علي بن إبراهيم البوزيدي المتوفى سنة 956هـ أو 957هـ، وتقع زاوية آكرض قريبا من قرية بني عياط بالقرب من بني ملال..
ويعتبر كتاب “المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى” لأحمد الصومعي من أهم مصادر ترجمته؛ لأنه يزودنا بمعلومات نفيسة عن مؤلفه، نضيف إليه كتاب العلامة أحمد المقري: “روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس”، وقد خصص المقري في كتابه هذا ترجمة لأحمد الصومعي، وكتاب المقري عبارة عن رحلة دونها أحمد المقري التلمساني (986هـ -1041هـ) بعد زيارته الأولى للمغرب، وجمع فيها أخبار عدد من أدباء وعلماء البلاط السعدي ونماذج من آثارهم العلمية والأدبية. وقد زار أحمد المقري بلاط أحمد المنصور بمراكش في شهر محرم سنة 1010هـ، والتقى خلال هذه الزيارة بأحمد التادلي الصومعي واستجازه، ويرى علي الجاوي محقق “المعزى” بأن المقري شاهد عيان يمكن أن نستند إلى ما جاء في كتابه وأن نثق به كل الثقة، وهذا ما فهمه المؤلفون الذين كتبوا عن التادلي الصومعي فيما بعد فنقلوا ما كتبه المقري نقلا حرفيا…
من الذين ترجموا لأحمد الصومعي التادلي نذكر محمد المهدي الفاسي المتوفى سنة 1109هـ في كتابه “تحفة أهل الصديقية”، ومحمد الطيب الفاسي المتوفى سنة 1113هـ في كتابه “مطمح النظر ومرسل العبر بالذكرى بمن غبر من أهل القرن الحادي عشر” (مخطوط خاص بفاس تحدث عنه العلامة أحمد حجي في الحركة الفكرية على عهد السعديين (ج 2، ص: 673)، وعبد الله الفاسي المتوفى سنة 1131هـ في “الإعلام بمن غبر من أهل القرن الحادي عشر”، وترجم له أيضا محمد الصغير الإفراني المتوفى سنة 1140هـ في “النزهة”، وكذلك محمد بن الطيب القادري المتوفى سنة 1187هـ الذي خص التادلي الصومعي بترجمة وافية في كتابه “نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني”، وترجم للصومعي أيضا عبد الرحمن التادلي الصومعي في كتابه “التشوف في رجال السادات أهل التصوف” المعروف بالتشوف الصغير، وكتاب “المرقى في مناقب سيدي محمد الشرقي” لعبد الخالق بن محمد العروسي، وابن أبي محلي في كتابه “الإصليت”…
لقد كانت الثقافة الصوفية لأحمد الصومعي غالبة في تكوينة العلمي والتربوي، والحق أنه تلقى تربية صوفية منذ صغره، كان ذلك على يد الشيخ سعيد أمسناو مؤسس زاوية الصومعة كما مر معنا، والذي عين أحمد الصومعي على رأس الزاوية بعده؛ كما تلقى علم التصوف على يد الشيخ الكبير سيدي علي بن إبراهيم مؤسس زاوية آكرض، وبعد وفاة الشيخ علي البوزيدي لازم أحمد الصومعي الشيخ أحمد بن علي الدرعي، وكان هذا الأخير موسوعة في علم التصوف، كان لا يفتر عن دراسة الرسالة القشيرية وكتاب التنبيه لابن عبّاد الرندي، ومنهاج العابدين للغزالي، وبغية السالك للساحلي، والتقى بمعظم شيوخ التصوف في عصره أمثال الشيخ الكبير عبد الله الغزواني، وأحمد بن موسى السملالي الجزولي، وقد رافقه الصومعي إلى سوس للالتقاء بهذا الأخير (المعزى: ص: 281-282).. وأخذ الصومعي عن أصحاب الشيخ أحمد زروق: الشيخ يعزى الجزولي ومحمد بن علي الخروبي الطرابلسي..
زاول أحمد الصومعي التدريس والتأليف في زاويته، وقد ألف كثيرا من الشروح والمختصرات، ويفيدنا أحمد المقري في “زهرة الآس” (ص: 302) أنه التقى بأحمد الصومعي ثلاث سنوات قبل وفاته، واستجازه فأخرج له ستين مجلدا كلها من تصانيفه، ومنه نعلم أن أحمد الصومعي ألف في مجالات علمية مختلفة؛ فقد ألف في التصوف والمناقب والتاريخ كتاب “المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى”، والزهرة العالية في فضائل الوسيلة الكافية، وتصحيح البداية وتحقيق النهاية، وله كتاب “شمس المراسم في معرفة الولي وحقيقة الولاية والقطب والغوث”، وإنشاد الشريد إلى مقامات حقائق الفريد”، واختصار مروج الذهب للمسعودي، وللصومعي شروح مثل “سراج الباحث في حل بعض مغفلات المباحث”، و “مطالع الأنوار السنية في بعض معاني الحكم العطائية”، وشرح حزب البحر للإمام الشاذلي، وشرح رائية أبي العباس الشريشي، كما تفنن الصومعي في ميدان الأرجوزات والأذكار بحيث يمكن القول أنه زاوج بين البحث النظري والكتابة الوعظية التربوية باعتباره شيخ زاوية يربي المريدين في الوقت الذي يجعل فيه لنفسه مكانا علميا بين الأقوياء الذين حفل بهم زمانه..
لقد وضع الشيخ أحمد التادلي الصومعي مجموعة من الصفات التي يجب أن تتوفر في طالب العلم، من بينها أن يكون الطالب مخلصا في طلبه للعلم تقربا إلى الله، دون التفاتة للشواغل الدنيوية التي تنقص من همة الطالب، مع غض الطرف عن مصدر العلم والاهتمام بالعلم وتحصيله أينما كان وممن كان مادام يستجيب لشروط العلم وقواعده، وقد اختصر الصومعي هذه المسألة العلمية والمنهجية الخطيرة في بيتي شعر، كان كثيرا ما يرددهما في زاويته:
خذ العلوم ولا تعبأ بناقلهـا واقصد بذلك وجه الخالق الباري
إن الرجال كأشجار لها ثمرٌ فاجْنِ الثمار وخلِّ العود للنــــار
وتجدر الإشارة إلى أهمية الكتاب الوحيد الذي طبع من كتابات الصومعي الكثيرة، وهو “المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى”، حققه الأستاذ الفاضل علي الجاوي، والكتاب من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير سنة 1996. يقول المحقق علي الجاوي في مقدمة تحقيقه (ص: 26): “منذ تأليفه والكتاب يقرأ بزاوية الصومعة وعند ضريح الشيخ أبي يعزى، وقليلا ما يخلو أي ركب من ركبان الزوار من نسخة من كتاب المعزى، ونظرا لما يتضمنه من أخبار مشايخ التصوف المغاربة والمشارقة وكراماتهم فقد كان عمدة المتصوفة والفقراء الذين يطالعونه ويدرسونه في زاوية الصومعة وربما في زوايا أخرى بتادلة والمغرب.
وأود في هذا المقام أن أذكر بعض ملابسات المحنة التي تعرض لها أحمد التادلي الصومعي من طرف حكام الدولة السعدية؛ فلما قامت ثورة الناصر بن عبد الله الغالب على أحمد المنصور تعاطف الصومعي مع هذا الأخير، ويرجح علي الجاوي محقق “المعزى” أن هذا الموقف منسجم مع الانتماء الصوفي للصومعي، فقد تذمر من الجبايات التي فرضت على أرباب الزوايا زمن المنصور بينما كان عبد الله الغالب والد الناصر مريدا للشيخ الشهير أحمد بن موسى السملالي ومدعما لأهل الزوايا، والصومعي يشترك مع السلطان السعدي عبد الله الغالب في الأخذ على أحمد بن موسى، من هنا نفهم التعاطف الذي أبداه إزاء ثورة الناصر، لكن ثورة هذا الأخير فشلت وقتل الناصر قرب تازة وحمل رأسه إلى مراكش.. ويرجع سبب نفي أحمد الصومعي إلى مراكش إلى شقاق بينه وبين زيدان بن أحمد المنصور الذهبي الذي كان واليا على تادلة، وكان يجالس الصومعي في مجالس العلم والأدب، وكان أن اعترض زيدان على الصومعي بأن العنوان الذي اختاره لكتابه حول مناقب أبي يعزى ينطوي على خطأ لغوي، فلا يقال المُعزى بل المعزو، واحتدم النقاش إلى أن لطم زيدان الشيخ الصومعي، والغريب أن السلطان أحمد المنصور الذهبي لم ينتصر للصومعي بل حمله مسؤولية الخطأ العلمي الذي ارتكبه، وكانت النتيجة نفي الصومعي إلى مراكش؛ واعتقد أن هذا ظاهر الأمر، وأحد عناصر الدلالة على مدلول أدهى وأمر هو لاشك موقف سياسي أبداه أو أخفاه الصومعي وجعل المنصور ينزعج من إمكانية استفحاله في منطقة إستراتيجية في منتصف الطريق بين مراكش و فاس، ويذكرنا علي الجاوي أن العلماء على مر العصور اعتبروا الصومعي مخطأ من الناحية العلمية فيما ذهب إليه من تسمية كتابه بالمُعزى، إلى أن جاء العلامة عبد الله كنون في كتابه “خل وبقل” ليرجح أن الفقيه الصومعي لم يكن على خطأ، وهو لم يقصد المُعزى برفع الميم بل المَعزى بفتح الميم أي المصدر الميمي وهو على مَفعل بفتح الميم ومعناه العزو في مناقب أبي يعزى وهو أنسب من اسم المفعول.. وعلى كل حال فصاحبنا الصومعي عالم مبرز لا يشك في عمقه اللغوي والأدبي، لكن الأهم في هذه القصة موقفه السياسي ومحنته، ثم عودته إلى زاوية الصومعة معلما وناشرا للفضيلة وحب الخير، لكن المنية عاجلته بعد مدة وجيزة من عودته من منفاه بمراكش…
بعد أحمد الصومعي لم يبرز اسم كبير من أسرة آل أمسناو الصومعيين، سوى عبد الرحمان بن إسماعيل (تـ بعد 1090هـ)، وهو صاحب كتاب “التشوف في رجال السادات أهل التصوف” الذي يعرف بـ “التشوف الصغير”، بعد ذلك بزغ نجم الشيخ محمد بن عبد الرحمان الصومعي (تـ 1123هـ/1711م)، وكان من الذين قضوا فترة طويلة من التحصيل العلمي بالزاوية الدلائية، وكان يعيش وسط ثلة من العلماء الفضلاء بالزاوية الدلائية، نذكر منهم الأستاذ أحمد الولالي صاحب “مباحث الأنوار في أخبار بعض الأخيار”، وسيدي محمد العكاري وسيدي علي العكاري، مجدد العلم برباط الفتح، وكان أستاذهم الكبير بلا مراء هو الصاعقة الشيخ سيدي الحسن اليوسي. بعد فترة الزاوية الدلائية سافر محمد بن عبد الرحمان الصومعي إلى مراكش والتقى بشيخه محمد بن عبد الله السوسي، وخلال مقامه بمدينة فاس صحب الأستاذين الشهيرين أحمد اليمني وأحمد بن عبد الله معن، ثم عاد إلى بني ملال ليشتغل بنشر العلم وتعليمه، وبذلك أعطيت الزاوية الصومعية دفعة جديدة في مسارها العلمي والتربوي..
وإذا كانت زاوية الصومعة جزولية-تباعية، اعتمادا على إجماع المصادر، حيث جاء في كل من “ممتع الأسماع” لمحمد المهدي الفاسي و”دوحة الناشر” لابن عسكر، و”البدور الضاوية في التعريف بالسادات أهل الزاوية الدلائية” لسليمان الحوات أن سعيد أمسناو أخذ عن الشيخ عبد العزيز التباع أكبر تلامذة الشيخ الجزولي؛ فإن بعض شيوخها تبنوا خلال القرن 11هـ/17م الطريقة الناصرية التي عرفت وقتها انتشارا كبيرا بتادلا، منهم الشيخ محمد بن عبد الرحمان الصومعي الذي أخذ الطريقة الناصرية عن الشيخ إبراهيم التاملي المراكشي والحسن اليوسي، التلميذ المباشر لسيدي محمد بن ناصر الدرعي التامكروتي..
لنعد إلى أحمد التادلي الصومعي لنقول أنه عاد إلى زاويته بالصومعة مباشرة بعد وفاة أحمد المنصور الذهبي الذي كان فرض عليه إقامة إجبارية بمراكش كما مر معنا، وتوفي رحمه الله سنة 1013هـ، ودفن بزاويته بالصومعة، وقبره مزارة كبرى بمدينة بني ملال، رحمه الله وجازاه عن تادلة والمغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..
-
السلام عليكم
شكرا أستاذ على هذا المقال الرائع و المفيد ، أستاذ من فضلك لدي سؤال باعتباري طالبة باحثة ومن المهتمين بتاريخ تادلا . هل يمكن لي اذا زرت الصومعة أن أحصل على بعض الوثائق التي تمكنني من كتابة تاريخ هذه زاوية وشكرا.
التعليقات