أبو علي يحيى بن جزلة
إن الحديث عن ألق الحضارة الإسلامية في العلوم التطبيقية حديث ذو شجون، وبقدر ما ينعش القلب البحث والتنقيب في منجزات العرب والمسلمين في مجال العلوم الكونية بقدر ما يحس المرء بالأسى والألم من جراء ما آلت إليه العلوم التطبيقية في بلاد الإسلام من انحسار وإهمال..
والحال، أن أمة بدون علوم تطبيقية معناه غياب عن مسرح الكون، وخروج من المعادلة الوجودية التي تربط الإنسان بالطبيعة والغيب، وتحويل للعلاقة مع الطبيعة من علاقة علمية فلسفية وظيفية إلى علاقة رومانسية في أحسن الأحوال..
لقد رأيتني مرة أخرى مدفوعا إلى الكتابة عن شخصية من شخصيات التراث العلمي العربي الإسلامي إسهاما مني في شحذ الهمم من أجل المضي في طريق يفضي إلى الألق من جديد؛ وقد كنت وعدت القراء الكرام أنني سأكتب، بين الفينة والأخرى، عن شخصيات من خارج الغرب الإسلامي منطلقا من محدد جوهري في هذا الانفتاح وهو محدد التفوق، بمعنى أن التعرف على شخصيات متفوقة علميا وصولا إلى إبراز مدى استفادة الأمة من عبقريتها وإبداعها لكفيل بطرح أسئلة جديدة مفيدة حول علاقة العلم بالمجتمع..
كتب رجل فاضل من أهل بغداد من رجال القرن الخامس الهجري كتابا سماه: “منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان”، وقد قام معهد المخطوطات العربية بالقاهرة بتحقيق الكتاب ونشره سنة 2010 مسديا بذلك خدمة كبرى للإنسانية.. يستوقفك العنوان بشدة ويفرض نفسه عليك.. فنحن إزاء عمل منهجي يبين أسرار ما يستعمله الإنسان من معطيات الطبيعة؛ هو إذا كتاب في الصيدلة، بل الصيدلة تقصر عن أن تلم بمادة الكتاب، ويحسن أن يسمى كتابا في “المادة الطبيعية” ضمن أبعادها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية؛ أو إن شأت قلت “فارماكوبيا” pharmacopée بلغة المختصين، والرجل الذي كتب الكتاب هو أبو علي يحي بن عيسى بن جزلة الطبيب البغدادي.
لم تشر كتب التاريخ والتراجم إلى تاريخ مولده، ويرجح محقق كتاب “منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان” محمود مهدي بدوي أنه من المرجح أن ابن جزلة ولد في عهد الخليفة العباسي “القائم بأمر الله”؛ لأن المدة بين بداية ولاية “القائم بأمر الله” ووفاة ابن جزلة إحدى وسبعون سنة، ونحن نتبع المحقق هنا ولو خيم الظن على تخمينه لغياب بديل عندنا؛ ولأن المسألة لا يترتب عليها أي مشكل يتعلق بالكتاب أو الإنتاج العلمي، لذلك نقبل من المحقق قوله: والغالب أن ابن جزلة لم يعش أكثر من ذلك، إلا إذا كان قد عمر طويلا، فتكون ولادته قبل زمن القائم.
ولد ابن جزلة ببغداد من أبوين مسيحيين، والغريب أن الدكتور صابر جبرة ينفرد في كتابه “تاريخ العقاقير والعلاج” باعتبار ابن جزلة عالما أندلسيا، فهل هو من أصل أندلسي هاجر أهله إلى بغداد؟ لا ندري.
بعد فترة الدراسة العلمية الأولى التي تلقى فيها ابن جزلة مبادئ العربية والأخلاق المسيحية لازم أبا علي بن الوليد الذي دعاه إلى الإسلام، وبالفعل سيسلم ابن جزلة سنة 466هـ كما في “وفيات الأعيان” لابن خلكان.
قضى أبو علي ابن جزلة حياته طالبا للعلم، مجالسا للعلماء، مطببا المرضى، مؤلفا للكتب، حتى مرِض مرَض موته، فلم ينس أن يهب طلبة العلم أثمن ما يملكه، فجعل الكتب التي أنفق ثروته وحياته في اقتناءها، وعمره في قراءتها صدقة جارية، وأوصى رحمه الله بأن تجعل وقفا، فأودعت في مشهد الإمام أبي حنيفة، ولقي ابن جزلة ربه سنة 493هـ بعد حياة مليئة بالعطاء، فاستطاع أن يخلد اسمه ضمن عباقرة الأمة والعالم..
يقول محقق كتاب “منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان” (ص: 14): “لم يقصر ابن جزلة ثقافته على علم الطب، لكنه سعى لتعلم المنطق لما له من فائدة في المناظرة والجدل، فأفاده ذلك في تأليف رسالتين: “الأولى رد بها على من طعن عليه في مدحه الطب وموافقته للشرع، والثانية رد بها على “إيليا القس”. وساعده علم المنطق على مناقشة العديد من آراء العلماء ومناظرتهم، واستطاع من خلال الأسلوب القائم على المقدمات المنطقية واستخلاص النتائج السليمة-إثبات صحة رأي أو دحض ادعاء، وقد شهد له الذهبي في “سير أعلام النبلاء” (19/188) بذلك فقال: “كان ذكيا صاحب فنون ومناظرة واحتجاج”، وكان شغوفا بالنظر في الأدب كما ذكر ابن أبي أصيبعة.
تلقى ابن جزلة العلم على يد العديد من العلماء، لكن أشهر من أثروا فيه من العلماء اثنان: أبو الحسن سعيد بن هبة الله الطبيب المشهور الذي خدم العباسيين، وعمل بالمارستان العضدي، أخذ عنه ابن جزلة الطب، وانتفع بعلمه “كما في “وفيات الأعيان” لابن خلكان؛ وأبو علي بن الوليد المعتزلي، عالم بعلم الكلام ومعرفة الألفاظ المنطقية، قرأ عليه ابن جزلة علم المنطق.
عمل ابن جزلة كاتبا للسجلات بين يدي قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وكان ينسخ بعض الكتب لنفسه ولغيره، يقول ابن أبي أصيبعة: “وقد رأيت بخطه عدة من الكتب من تصانيفه وغيرها، تدل على فضله، وتعرب عن معرفته، ولا شك أن نسخه لكتب العلماء جعله يطلع على متنها ويفيد منها في مسيرته العلمية.
عمل ابن جزلة طبيبا وصيدلانيا، وعالج المرضى وقام بتركيب الأدوية للفقراء من ماله الخاص كما في البداية والنهاية لابن كثير. اشتهر بعلاجه قاضي قضاة بغداد الشيخ أبي عبد الله الدامغاني، واهتمام ابن جزلة هنا بطب الفقراء يذكرنا بما قام به قبله الطبيب القيرواني ابن الجزار الذي ذهب إلى حد تأليف كتابه “طب الفقراء والمساكين”..
درس ابن جزلة كتب أبقراط وديسقوريدوس وجالينوس كما درس مؤلفات ابن ربن وحنين ابن إسحاق والرازي والمجوسي وغيرهم، فتكون لديه مخزون طبي صيدلاني كبير صقله بالعمل الميداني واختبار المواد المستعملة في الطب والصيدلة ، وكتابه “منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان دليل على ذلك”، وقد اشتهر هذا المؤلف بين المختصين حتى صار صاحبه يعرف بصاحب المنهاج..
ترك ابن جزلة مؤلفات عدة نذكر منها: “تقويم الأبدان”، صنفه مجدولا للمقتدي بأمر الله العباسي، عني فيه بذكر أنواع الأوبئة والأمراض وأوقات ظهورها، والبلدان التي تنتشر فيها، وطرق تشخيصها، وكيفية علاجها، وذكر فيه بعضا من الأدوية السامة وعلامات المصابين بسمها، وقد طبع الكتاب محققا عن الدار الثقافية للنشر بالقاهرة سنة 2007 بتحقيق سالم ماجد الشماع. لابن جزلة أيضا “رسالة في مدح الطب وموافقته للشرع والرد على من طعن عليه”، وهي لازالت مخطوطة، يفيدنا الدكتور محمود مهدي بدوي محقق “منهاج البيان” أن منها نسخا بآيا صوفيا، ورامبور، وطلعت بالقاهرة، والموصل. كتب ابن جزلة أيضا رسالة رد فيها على “إيليا القس”، وهي رسالة مفاضلة بين الإسلام واليهودية والنصرانية، أجاد فيها ابن جزلة وأفاد حسب ابن خلكان في “وفيات الأعيان”، وقد انفرد الإمام الزركلي في “الأعلام” (8/ 161) بنسبة كتابين آخرين لابن جزلة هما: “الأقرباذين” و “تقويم الصحة بالأسباب الستة”. غير أن أهم أثر خلفه ابن جزلة على الإطلاق هو موسوعته الطبية والصيدلانية “منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان” وقد طبع بالقاهرة سنة 2010 بتحقيق الدكتور محمود مهدي بدوي ومراجعة الدكتور فيصل الحفيان.
نقرأ في مقدمة تحقيق منهاج البيان (ص: 19): “لا يعرف على وجه التحديد السنة التي بدأ أو أنهى فيها ابن جزلة تأليف كتابه، لكن المؤكد أنه ألفه بعد كتاب “تقويم الأبدان”، وأنه صنفه في عهد المقتدي بالله، وأهداه إليه، ولعله أراد من تسمية الكتاب أن يكون سبيلا واضح المعالم لمن أراد الوقوف على شيء مما يحتاجه الناس في غذائهم ودوائهم. والكتاب أحد كتب الصيدلة المؤلفة في القرن الخامس الهجري، عني فيه المؤلف بذكر عدد كبير من الأدوية والأغذية والأشربة، المفرد منها والمركب، التي ظهر له فيها فائدة، ولم تخل من منفعة”.
أما عن محتوى الكتاب، فهو موسوعة بحق، والطريف أن فن تصنيف معطيات الطبيعة من أجل إفادة الإنسان فن غربي خالص في العصر الحاضر، أما العرب فلم يعد عندهم جهد لتحقيق مثل هذه الأعمال النبيلة، والحق أن تصنيف أشياء الطبيعة عمل نبيل يحتاج إلى همة عالية وحب للطبيعة وترفع عن سفاسف الأمور وزهد في المناصب، وقد أنفق الغربيون إمكانيات كبيرة جدا من أجل ترجمة كتب المادة الطبية والصيدلانية العربية الإسلامية منها كتاب صاحبنا ابن جزلة الذي ترجم للاتينية والفرنسية.. ومنه نفهم أن العمل الذي قام به ابن جزلة يقع في صلب خدمة المدينة الإسلامية كما يعبر عن حضور فعلي في العالم، إذ اتفق أهل العلم أن أي أمة لا تتقن أسماء ما ينبت في أرضها لا محالة ستكون عالة على غيرها، وهذا حال الأمة الإسلامية اليوم..
لنعد إلى كتاب “منهاج البيان في ما يستعمله الإنسان” ونقول أن مادته الثرية تتجلى في قدرته المنهجية على تسمية الأمور بمسمياتها، فقد قسم ما يرد على البدن من المأكولات والمشروبات إلى دواء، وغذاء، وغذاء له قوة الدواء، ودواء قتال “سم”، وأوضح تأثير كل منها في البدن، وتحدث عن تنوع الأغذية بحسب كيفيتها وجوهرها، ومصادرها النباتية والحيوانية، ثم قسم الأشربة إلى: مياه، وأنبذة وأشربة تقوم مقام الأدوية، وتحدث عن الأغذية التي يكره الجمع بينها في المعدة كالأغذية المتشابهة، والتي يستحب الجمع بينها في المعدة، والتي تعمل على إصلاح بعضها ببعض؛ وقد أعطى ابن جزلة أهمية بالغة في كتابه للتجربة والقياس في عمل الأدوية، والأسباب الداعية إلى تركيب الدواء، بل وصل إلى التدقيق في مقادير وأوزان الأدوية المفردة المتخذة منها الأدوية المركبة. وقد صنف ابن جزلة صفات الدواء المفرد الداخل في الدواء المركب وهي: قوته أو ضعفه، وكثرة منفعته أو قلتها، وشرف منفعته أو خستها، وانفراده بالمنفعة أو مشاركته غيره له فيها، وبعد العضو المداوى أو قربه، ومضرته لبعض الأعضاء، أو لبعض الأدوية التي في المركب، ووجود دواء في المركب يمكنه إضعاف قوة الدواء النافع، ثم بين أن مقدار الدواء المفرد يتفاوت كثرة وتوسطا وقلة بحسب حالة الدواء في القوة والمنفعة، أو لانفراده بصفة واحدة من تلك الصفات، أو لاجتماع صفتين منها فيه، وبتركيب الطرق المذكورة مع بعضها البعض ينتج عنها اثنان وسبعون صورة لمقادير الدواء المفرد الداخل في الدواء المركب، يتعين الصيدلاني الخبير أن يكون عالما بها، يا سلام!! وإنه لمما يدعو للخجل والحزن حال كثير من صيدليينا المعاصرين وقد تحولوا إلى مجرد تجار عقاقير، ولم يعودوا يساءلون المفردات والمركبات وعلاقة هذه بتلك، ولا يفقهون الموازين والمعادلات، فهذه أمور مروا عليها مرور الكرام أيام “الدراسة”، أما وقد حان وقت “العمل” فهنيئا لمن يبيع أكثر!! لكن لازالت هناك ثلة من الفضلاء من ذوي الهمم الذين يجدون ويجتهدون للتعمق في المسائل العلمية والنظرية مع توازن بين الكسب المادي والتحصيل العلمي، لكنهم قلة مع الأسف..
رأينا إذن أن صاحبنا ابن جزلة دقيق في اختيار ألفاظه، خبير في قوانين علم الصيدلة، مما يؤكد أنه كان على دراية وثيقة بقوى الأدوية المفردة وطبائعها، وخبيرا بتركيب الأدوية.
وقد بلغ عدد المداخل الدوائية والغذائية التي ذكرها ابن جزلة في “منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان” 2448 مدخلا، ليست كلها أصلية مفسرة، بل منها عدد كبير ذكر على سبيل الترادف اللفظي، أحاله ابن جزلة إلى سابق أو لاحق تضمن تفسيره، ويبلغ عدد هذه المداخل 427 مدخلا..
ومصادر الدواء عند ابن جزلة هي النبات والحيوان والمعادن، وقد اعتمد على جميع أنواع النبات وأجزائه ومشتقاته، وتحتل الأدوية النباتية المرتبة الأولى عددا، أما الأدوية ذات الأصل الحيواني فهي مصدر هام من مصادر الدواء، وقد أفاد من جميع أنواعها وأجزائها ومشتقاتها، وتحتل الأدوية الحيوانية المرتبة الثانية بعد النبات، ثم تأتي الأدوية المعدنية التي تدخل المعادن في تركيبها، والمعدن هنا بنوعيه: السائل والجامد، وبين أن طريقة استخدام بعض الأدوية المعدنية تحدد فائدتها أو مضرتها، كالزُّنجُفُر الذي يكون سما إذا شرب، ويكون علاجا إذا استعمل من خارج.. وقد أفاض ابن جزلة في الحديث عن أنواع المعادن وفوائدها العلاجية، وبين طرق تصنيعها، وقد كان للكيمياء الطبية chimie thérapeutique دور حاسم في تحضير الأدوية، وقد ساهم ابن جزلة في ترسيخ الدعوة إلى استعمال علم الكيمياء في تركيب الأدوية، وهنا ندرك بعض جوانب الأهمية الإبستيمولوجية لكتاب ابن جزلة..
لقد جمع ابن جزلة في كتابه بين الدواء المفرد والمركب، وتمثل الأدوية المركبة أكثر من 25% من مجمل الأدوية المذكورة في “منهاج البيان”..
اعتبر ابن جزلة أن الغذاء دواء، وتعامل معه على أنه مصدر علاجي حافظ للصحة قبل أن يكون غذاء منميا للبدن، وقد عني ابن جزلة بذكر مزاج الغذاء وطرق طهيه وأفضلها، وما يمكن أن يؤدي لفساده، ويتضمن “منهاج البيان” مجموعة من الأطبخة بين ابن جزلة مفرداتها وطرق إعدادها وفوائدها العلاجية والغذائية. ويفيدنا الدكتور محمود حمدي بدوي محقق كتاب “منهاج البيان” (ص: 30) أن كثيرا من الأطباء اعتمدوا على كتاب “منهاج البيان” كأحد مصادرهم في التأليف نذكر منهم: ابن البيطار في كتابه “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية”، ومحمد بن محمد الإدريسي صاحب “الجامع لصفات أشتات النبات”، ويوسف بن عمر بن رسول في “المعتمد في الأدوية المفردة”، وأبو المنى داود بن أبي النصر في “منهاج الدكان ودستور الأعيان”، وداود الأنطاكي في “تذكرة أولي الألباب، الجامع للعجب العجاب”..
ويضيف محمود حمدي بدوي في خبر طريف ومفيد أن ابن البيطار كان قد ألف كتابا في نقد ابن جزلة سماه: “الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام”، كما أن المستشرق بروكلمان يقول أن هناك شرحا للمنهاج لمجهول يوجد في مكتبة الإسكوريال..
لا يسمح المقام هنا للتفصيل في المعطيات العلمية لمنهاج البيان، فهذا يحتاج لبحث مستقل نحن بصدد الاشتغال عليه بالاتفاق مع مراجع الكتاب الدكتور الفاضل فيصل الحفيان، لكنني أنبه في ختام هذه المقالة المركزة إلى أن “منهاج البيان” يعتبر من أعم الكتب الطبية والصيدلانية في تاريخ العلم العربي الإسلامي على الإطلاق، ذلك أنه من أوائل الكتب التي فصلت بين علمي الطب والصيدلة، كما أن المؤلف جمع في كتابه بين الدواء والغذاء، ونحن نرى اليوم عودة الطب المعاصر إلى هذه المقاربة التي أهملت لقرون.. كما اشتمل “منهاج البيان” على أوصاف دقيقة لطرق تركيب الأدوية، وذكر الأدوات المستعملة في التركيب، وقد وصف ابن جزلة العديد من طرق تصنيع المعادن وأكد على العمليات الكيميائية التي تم التوصل بها إلى ذلك.. وقد استحق كتاب “منهاج البيان” أن يصبح أحد أهم مصادر التأليف الصيدلاني، كما أنه لا غنى للباحثين في تاريخ الطب والصيدلة عن هذا الكتاب النفيس الذي قال عنه ابن البيطار: “ولم أر من حرر أحكام ذلك مثل ابن جزلة؛ فإنه حقق في منهاجه وأجاد”، وقال الداهية داود الأنطاكي في تذكرته في حق ابن جزلة: “وأجل هؤلاء الكتب الكتاب الموسوم بمنهاج البيان، صناعة الطبيب الفاضل يحيى بن جزلة رحمه الله تعالى، فقد جمع المهم من قسمي الإفراد والتركيب في ألطف قالب وأحسن ترتيب”
وبعد فقد أحسن المحقق الدكتور محمود مهدي بدوي حينما قال في مقدمة “منهاج البيان” أن هذا الكتاب لم ينل حظه من الدراسات الحديثة، التي تبرز قيمته، وتكشف النقاب عن دوره في مسيرة الصيدلة العربية علما وممارسة وتاريخا، ويعتقد المحقق الفاضل أن دراسته هي أول عمل أفرد للمنهاج بهذا النصيب من البحث، ولعل تحقيق الكتاب يكون فتحا لموضوعات بحثية حوله.. وإن بحثي المعمق الذي أنا بصدد إنجازه حول كتاب “المنهاج” يعتبر من ثمرات هذا التحقيق المبارك؛ جازى الله القائمين على معهد المخطوطات العربية بالقاهرة -على رأسهم الدكتور فيصل الحفيان- على إخراج هذا العمل النفيس، رحم الله العلامة ابن جزلة وجازاه عن الإنسانية خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..
أرسل تعليق